كان صلىاللهعليهوآله إذا نزل عليه القرآن عجّل بقراءته حرصا منه على ضبطه وحفظه دون أن ينساه أو يضيع. وذلك كان قبل أن ينتهي الوحي ببقية الآية أو السورة التي كانت تنزل تباعا. فنهي صلىاللهعليهوآله عن هذا الإسراع وضمن له الحفظ والبيان (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى. إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى). (١)
* * *
نقل الفرّاء عن بعضهم احتمال عود الضمير في قوله تعالى (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) إلى محمّد صلىاللهعليهوآله عودا إلى معلوم بالحال. فيكون المعنى : وإنّا لمحمّد لحافظون نظير قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
كما يحتمل عوده إلى القرآن ، لأنّه الذكر المذكور قبله. والمعنى : وإنّا للقرآن لحافظون أي راعون. (٢)
وقد أخذ المخالف من هذا الاحتمال والترديد ذريعة لنقض الاستدلال بالآية على صيانة القرآن من التغيير والتبديل. (٣)
لكن احتمال عود الضمير إلى محمّد صلىاللهعليهوآله احتمال غريب لا مبرّر له بعد صلاحية اللفظ لتعيين مرجع الضمير. والفرّاء إنّما نقله نقلا ، ولم يعتمده ولا وجّهه بتوجيه. وآية العصمة لا صلة لها بآية الحفظ ، فضلا عمّا ذكرنا من رجوعها أيضا إلى عصمة الشريعة وليس المقصود نفسه الكريمة بالذات.
نعم احتمل المخالف أن يكون المراد من الذكر هو الرسول صلىاللهعليهوآله كما في قوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً. رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ). (٤) وإطلاق الذكر على النبي صلىاللهعليهوآله لكونه مذكّرا!
__________________
(١) ـ الأعلى ٨٧ : ٦ و ٧.
(٢) ـ وهذا لفظه في كتابه «معاني القرآن» ، ج ٢ ، ص ٨٥ : «يقال إنّ الهاء التي في «له» يراد بها القرآن. حافظون أي راعون. ويقال إنّ الهاء لمحمّد صلىاللهعليهوآله وإنّا لمحمّد لحافظون». هذا كلامه على إجماله نقلناه هنا مع شيء من التوضيح.
(٣) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٦٠.
(٤) ـ الطلاق ٦٥ : ١٠ و ١١.