غير أنّ المفسّرين ذكروا في توجيه هذه الآية أنّه من تقدير المحذوف ، أي وأرسلنا رسولا ... إذ لو كان الرسول بيانا للذكر لما تناسب مع التعبير بالإنزال.
هذا فضلا عن أنّ آية الحفظ مسبوقة بقوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ). (١) وهي تصلح قرينة على تعيين مراده تعالى من الذكر في آية الحفظ بعدها ، ولا دليل على إرادة خلاف هذا الظاهر. (٢)
* * *
هنا شبهة لا بدّ من إيعازة إلى دفعها :
قال الإمام الرازي : احتجّ القاضي بآية الحفظ على فساد من يزعم أنّ القرآن قد دخله التغيير ، لأنّه لو كان الأمر كذلك لما بقي القرآن محفوظا ...
قال : وهذا الاستدلال ضعيف لأنّه يجري مجرى إثبات الشيء بنفسه ، فالذين يقولون بأنّ القرآن قد دخله التغيير لعلّهم يقولون إنّ هذه الآية من جملة الزوائد التي الحقت بالقرآن ... (٣)
قال سيّدنا الاستاذ قدسسره : وحاصل الشبهة أنّ مدّعي التحريف يدّعي وجود التحريف في نفس هذه الآية ، لأنّها بعض القرآن ، فلا يكون الاستدلال بها بالذات صحيحا ، فإنّه من الدور الباطل ...
ثمّ أجاب قدسسره بما حاصله : إنّ هذه الشبهة إنّما ترد على من لم يعرف للعترة الطاهرة مقام ولايتهم الكبرى وأنّهم عدل القرآن وقرناؤه ، كما ورد في حديث الثقلين ... إذ أنّهم عليهمالسلام تمسّكوا بهذا الموجود من القرآن وقرّروا أصحابهم في التمسّك به والاستناد إليه ، الأمر الذي يكشف عن حجّيته بالذات ووجوب التمسّك به بلا ريب ... (٤)
قلت : وجه الكلام ـ في الاستدلال بهذه الآية ـ إلى اولئك الفئات الشاذّة المنتمية إلى
__________________
(١) ـ الحجر ١٥ : ٦.
(٢) ـ راجع : البيان في تفسير القرآن لسيدّنا الاستاد طاب ثراه ، ص ٢٢٦.
(٣) ـ التفسير الكبير ، ج ١٩ ، ص ١٦١.
(٤) ـ البيان في تفسير القرآن ، ص ٢٢٨.