«إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه ، قراءة وكتابة ، يقف على بطلان تلك المزعومة. وما ورد فيه من أخبار ـ حسبما تمسّكوا ـ إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به ، أو مجعول تلوح عليه أمارات الجعل ، أو غريب يقضي بالعجب. أمّا الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل والتفسير ، وأنّ التحريف إنّما حصل في ذلك لا في لفظه وعباراته.
وتفصيل ذلك يحتاج إلى تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون. ويتلخّص في أنّ الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفّتين ، لا زيادة فيه ولا نقصان. وأنّ الاختلاف في القراءات أمر حادث ، ناش عن اختلاف في الاجتهادات ، من غير أن يمسّ جانب الوحي الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين ... (١)
وذكر لي العلّامة السبحاني أنّ سيّدنا الاستاذ كان يذكر ذلك في مجلس الدرس بكلّ حماسة وشدّة ، وكان شديد التغيّر على تلك الفئة الشاذّة من الأخباريين في نسبتهم التحريف إلى كتاب الله العزيز الحميد.
وله قدسسره مقال آخر أوسع وأشدّ لحنا بصدد نفي مزعومة التحريف ، قاله بشأن إثبات حجّية ظواهر الكتاب ، ردّا على مقالة من زعم عدم الظهور ، مستدلّا بوقوع التحريف في نصّ الكتاب العزيز ، الموجب لعروض الإجمال فيه بذلك حسب زعمه. قال : وهذا ممنوع بحسب الصغرى والكبرى. أمّا الاولى ، فلمنع وقوع التحريف فيه جدّا ، كما هو مذهب المحقّقين من علماء الإسلام والمعتبرين من الفريقين. وإن شئت شطرا من الكلام في هذا المقام فارجع إلى مقدّمة تفسير «آلاء الرحمان» للعلّامة البلاغي قدسسره.
وأزيدك توضيحا : أنّه لو كان الأمر كما توهّم صاحب «فصل الخطاب» الذي كان كتبه لا يفيد علما ولا عملا ، وإنّما هي إيراد روايات أعرض عنها الأصحاب ، وتنزّه عنها اولوا
__________________
ـ «١٤ / ٣ / ١٣٦٨ ه ش» وخلّفت رحلته قدسسره أسا في القلوب وحزّا في الصدور ... فرحمهالله من إمام قائد لا زالت معالم قيادته الحكيمة واضحة الدلائل للملأ الإسلامي عبر القرون.
(١) ـ تهذيب الاصول ، تقريرا بقلم العلّامة سبحاني ، ج ٢ ، ص ١٦٥.