ابن طاووس (ت ٦٦٤) بصدد تفنيد ما نسبه أبو علي الجبائي (ت ٢٣٥) إلى الشيعة الإمامية من القول بالتحريف ، قال : كلّما ذكرته من طعن وقداح على من يذكر أنّ القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجّه على سيّدك عثمان ، لأنّ المسلمين أطبقوا على أنّه جمع الناس على هذا المصحف الشريف ، وحرّف وأحرق ما عداه من المصاحف ، فلو لا اعتراف عثمان بأنّه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف محرّف ، وكانت تكون متساوية ، ويقال له : أنت مقرّ بهؤلاء القرّاء السبعة وهم مختلفون في حروف وحركات وغير ذلك ، ولو لا اختلافهم لم يكونوا سبعة ، بل كانت هناك قراءة واحدة ... فمن ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغيّره؟ أنتم وسلفكم لا الرافضة على حدّ تعبيركم! ومن المعلوم من مذهبنا أنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، كما صرّح بذلك إمامنا جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام.
ويقال له : إنّك ادّعيت في تفسيرك أنّ «بسم الله الرحمان الرحيم» ليست من القرآن ولا ترونها آية من القرآن ، وهي مائة وثلاث عشرة آية في المصحف الشريف تزعمون أنّها زائدة وليست من القرآن ، وأنّ عثمان هو الذي أثبتها فيه على رأس السور فصلا بين السورتين ، فهل هذا إلّا اعتراف منك يا أبا علي بزيادتكم أنتم في المصحف الشريف زيادة لم تكن من القرآن ولا من آية الكريمة. (١)
* * *
تلك امّة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، ولكن ما بال أقوام حاضرة ومتحضّرة تتابع أقواما بائدة وبالية. يتابعون أسلافهم تقليدا أعمى ومن غير هوادة (قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (٢) فيرمون امّة كبيرة إسلامية عريقة بما هم منه براء.
هذا «الاستاذ الرافعي» وهو كاتب قدير نراه قد لهج ما لاكه سلفه المفتري (ابن حزم الظاهري) في رمي الشيعة الإمامية بالقول بالتحريف افتراء عليهم ناشئا من عصبيّة عمياء
__________________
(١) ـ سعد السعود ، ص ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٢) ـ الزخرف ٤٣ : ٢٣.