فإن قيل : الأولان لا يفيدان سوى أن وراء العالم أمرا له تحقق ما من غير دلالة على أنه جسم أو بعد (١) ، ولو سلّم فلا دلالة على أنه غير متناه.
قلنا : يفيد أن بطلان رأى من زعم أنه عدم محض ، ثم يدلان على تمام المطلوب بمعونة مقدمات معلومة (٢) ، مثل أن ما يلاقي طرف العالم لا يكون إلا خلاء ، وهو بعد أو جسم ، وهو ذو بعد بل إذا بين استحالة الخلاء تعين أنه جسم ، ولا يكون متناهيا وإلا لكان له طرف فيعود الكلام ، ويثبت أن ما وراءه ليس عدما محضا (٣).
[قال (خاتمة)
فطرف الامتداد بالنسبة إليه نهاية ، ومن حيث كونه منتهى الإشارة ، ومقصد المتحرك بالحصول فيه جهة ، فتكون موجودة ذات وضع لا (٤) يقبل الانقسام. وإلا لوقعت الحركة فيها فتكون الجهة منتهاها].
جعل بحث الجهة خاتمة بحث تناهي الأبعاد لكونها عبارة عن نهاية الامتداد ، وذلك أن طرف الامتداد بالنسبة إليه طرف ونهاية ، وبالنسبة إلى الحركة والإشارة جهة ، ثم إنها موجودة ، ومن ذوات الأوضاع لأنها مقصد المتحرك بالحصول فيه. ومنتهى الإشارة الحسية ، والمعدوم أو المجرد يمتنع الحصول فيه أو الإشارة إليه. وهذا بخلاف الحركة (٥) في الكيف كحركة الجسم من البياض إلى السواد ، فإن
__________________
(١) سقط من (ب) أو بعد
(٢) سقط من (أ) لفظ (معلومة)
(٣) سقط من (ب) لفظ (محضا)
(٤) في (ب) يقبل بسقوط (لا) وهو تحريف
(٥) الحركة : ضد السكون ، ولها عند القدماء عدة تعريفات ، وهي :
أ ـ الحركة هي الخروج من القوة الى الفعل على سبيل التدريج ومعنى التدريج هو وقوع الشيء في زمان بعد زمان.
ب ـ الحركة هي شغل الشيء حيزا بعد أن كان في حيز آخر وهي كونان في آنين ومكانين بخلاف السكون الذي هو كونان في آنين ومكان واحد.
ج ـ الحركة كمال أول لما بالقوة من جهة ما هو بالقوة (ابن سينا رسالة الحدود).