فإن قيل : ما ذكرتم من دليل امتناع الأزلية إنما يقوم في كل جزئي من جزئيات (١) الحركة ، ولا يدفع (٢) مذهب الحكماء ، وهو أن كل حركة مسبوقة بحركة أخرى لا إلى بداية ، والفلك متحرك أزلا وأبدا بمعنى أنه لا يقرر زمان إلا وفيه شيء من جزئيات الحركة ، وهذا معنى كون ماهية الحركة أزلية. وحينئذ يرد المنع على الكبرى أيضا ، أي لا نسلم أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ، وإنما يلزم لو كانت تلك الحوادث متناهية ، فلا بد من بيان امتناع تعاقب الحوادث من غير بداية ونهاية على ما هو رأيهم (٣) في حركات الأفلاك وأوضاعها.
أجيب : أولا بإقامة البرهان على امتناع أن تكون ماهية الحركة أزلية وذلك من وجهين:
أحدهما : أن الأزلية تنافي المسبوقية ضرورة (٤) ، والمسبوقية من لوازم ماهية الحركة وحقيقتها لكونها عبارة عن التغير من حال إلى حال ومنافي اللازم مناف للملزوم ضرورة.
وثانيهما : بأن ماهية الحركة لو كانت قديمة أي موجودة في الأزل لزم أن يكون شيء من جزئياتها أزليا ، إذ لا تحقق للكلي إلا في ضمن الجزئي لكن اللازم باطل بالاتفاق (٥).
وثانيا : بإقامة البرهان على امتناع تعاقب الحوادث الغير المتناهية وذلك أيضا لوجهين:
أحدهما : طريق التطبيق (٦) وهو أن نفرض جملة من الحوادث المتعاقبة من
__________________
(١) سقط من (أ) جملة (من جزئيات الحركة)
(٢) في (ب) ولا يرد بدلا من (ولا يدفع)
(٣) في (ب) اعتقادهم بدلا من (رأيهم)
(٤) سقط من (ب) للفظ (ضرورة)
(٥) سقط من (أ) لفظ (الاتفاق)
(٦) طريق التطبيق شرحه سعد الدين التفتازاني باسلوبه الرصين وعند رجوعنا الى كتب المتأخرين وجدنا أن ما قدمه السعد من تعريف يكاد يكون هو الأحسن والأمثل وبذلك أغنانا عن الحديث عنه مرة أخرى.