بالتقريب ، وأما الكرية بحسب الحقيقة ، فيقدح فيها أقل من ذلك ، لأنها لا تقبل الشدة والضعف ، لأن معناها أن تكون جميع الخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط متساوية بحسب التحقيق لا بمجرد التقريب.
[قال (والذي تقتضيه قواعدهم إحاطة الماء بجميع الأرض)
ولم يذكروا لانكشاف البعض شيئا يعول عليه سوى العناية الإلهية ، فإن أرادوا ظاهرها ، فقد اهتدوا ، لكنهم يفسرونها بالعلم بالنظام على الوجه الأكمل].
لأن الأرض ثقيل مطلق (١) ، والماء ثقيل مضاف بمعنى أن حيزه الطبيعي أن يكون فوق الأرض ، وتحت الهواء ، والسبب في انكشاف الربع المسكون ، قيل هو انجذاب أكثر المياه إلى ناحية الجنوب لكونها أحر لقرب الشمس منها ، وبعدها عن ناحية الشمال ، لكون حضيض الشمس في البروج الجنوبية ، وأوجها في الشمالية ، وكونها في القرب أشد شعاعا من كونها في البعد ، وكون الحرارة اللازمة من الشعاع الأشد أقوى وأحد من الحرارة اللازمة من الشعاع الأضعف. ولا خفاء في أن من شأن الحرارة جذب الرطوبات كما يشاهد في السراج وعلى هذا تنتقل العمارة من الشمال إلى الجنوب وبالعكس بسبب انتقال الأوج من أحدهما إلى الأخر ، وتكون العمارة دائما حيث أوج الشمس لئلا يجتمع في الصيف قرب الشمس من سمت الرأس ، وقربها من الأرض فتبلغ الحرارة إلى النكاية والإحراق ، ولا البعدان في الشتاء فيبلغ البرد إلى حد النكاية والتفجيج. وقيل : السبب كثرة الوهاد والأغوار (٢) في ناحية الشمال ، باتفاق من الأسباب الخارجة فتنحدر المياه
__________________
(١) المطلق : مقابل للمقيد ، تقول : أطلق الرجل المواشي سرحها ، وأطلق الأسير ، خلي سبيله ، واطلق في كلامه ، لم يقيده ، فالمطلق إذن في اللغة هو المتعري من كل قيد.
والمطلق في علم ما وراء الطبيعة : اسم للشيء الذي لا يتوقف تصوره أو وجوده على شيء آخر غيره ، لأنه علة وجود نفسه ، ولذلك قيل ان الموجود المطلق هو الموجود في ذاته وبذاته ، وهو الضروري الذي لا يلحقه التغير ، والبريء من جميع انحاء النقص.
(٢) غور كل شيء قعره ، يقال فلان بعيد الغور ، والغور أيضا المطمئن من الأرض. والغور تهامة ، وما يلي اليمن ، وماء غور اي غائر وصف بالمصدر كدرهم ضرب ، وماء سكب وغار اتى الغور فهو غائر ، وبابه قال ، ولا يقال أغار ، وزعم الفراء أن أغار لغة.