الوسط بمعنى أن وضعها من السماء كمركز الكرة عند محيطها ، وأنها لا تتحرك لا من المركز. ولا إليه ولا عليه. واستدلوا على ذلك بحسب النظر التعليمي بأدلة مذكورة في كتب الهيئة تفيد الآنية (١) ، وبحسب المنظر الطبيعي بما يفيد اللمية على ما ذكر في علم السماء والعالم مثل أن جميع العناصر بل الفلكيات بسائط ، والشكل الطبيعي للبسيط هو الكرة ، لأن مقتضى الطبيعة الواحدة لا يختلف ، وأن الأرض ثقيل مطلق ، فتكون تحت الكل ، وهو ما يلي مركز محدد الجهات ، وإذا كانت في حيزها الطبيعي لم تتحرك عنه ، ولا إليه. وإن في الأرض مبدأ ميل مستقيم على ما يرى في أجزائها ، فلا يكون فيها مبدأ ميل مستدير ، لتضاد الميلين ، فلا تتحرك على المركز ، كما ذهب إليه البعض من أن ما يظهر من الطلوع والغروب بالحركة اليومية مستند إلى حركة الأرض على مركزها ، حركة وضعية من المغرب إلى المشرق ، والكل ضعيف ، لأنها لا يفيد كونها كذلك في الوجود ، لأن مقتضى الطبع قد يزول بالقاسر ، فيجوز أن لا تبنى على الكرية ، ولا في الوسط ، وتتحرك على الاستدارة لا بالطبع كالفلك.
وأما الأدلة التعليمية فكثيرة مذكورة في موضعها ، بما عليها من الإشكالات مثل استدلالهم على كرية الماء ، بأنه لو لم يكن كريا ساترا بنفسه ، لأسافل الجبل الشامخ على ساحل البحر ، لظهر الجبل كله دفعة للسائر في البحر ، وليس كذلك لأنه يظهر له رأس الجبل أولا ثم ما تحته قليلا قليلا ، ويتحقق ذلك ، بأن توقد نيران على مواضع مختلفة من أعلى الجبل إلى أسفله. ومثل استدلالهم على كون
__________________
ـ والعناصر عند القدماء أربعة : وهي النار ، والهواء ، والماء ، والتراب ،
(١) الآنية : اصطلاح فلسفي قديم معناه تحقق الوجود العيني ، زعم ابو البقاء : انه مشتق من (إن) التي تفيد في اللغة العربية التأكيد والقوة في الوجود ، قال : ولهذا اطلقت الفلاسفة لفظ (الانية) على واجب الوجود لذاته لكونه اكمل الموجودات في تأكيد الوجود وفي قوة الوجود ، وهذا لفظ محدث ليس من كلام العرب (راجع كليات ابي البقاء) وزعم بعض المحدثين ان الانية لفظ معرب عن كلمة (اين) اليونانية التي معناها كان أو وجد ، واختلفوا في ضبط هذه الكلمة ، فقرأها بعضهم آنية كما في تعريفات الجرجاني وهو خطأ لان الآنية نسبة الى الآن وقرأها بعضهم أنية نسبة الى أن المخففة.
والأنية : تحقق الوجود العيني والدليل على ذلك قول الجرجاني : الأنية هي تحقق الوجود العيني من حيث مرتبته الذاتية.