ونقل عن ابن سينا ما يشعر بأنه متردد في أن هذا حد أو رسم. وأبطل الإمام كونه حدا بأن الجوهر لا يصلح جنسا للجسم ولا قابلية الأبعاد فصلا.
أما الأول فلوجوه منها : أن الجوهر (١) هو مفسر بالموجود لا في موضوع. والوجود زائد على الماهية لا ذاتي لها بل هو من المعقولات الثابتة التي لا تحقق لها إلا في الذهن فلا يصلح جزءا للماهية الحقيقية ، وعدم الاحتياج إلى الموضوع عدمي لا يصلح ذاتيا للموجود ، لا يقال جميع الأجناس (٢) ، بل جميع الكليات من المعقولات الثانية.
لأنا نقول المنطقيات منها لا الطبيعيات كالجسم والحيوان ونحو ذلك ومنها أنه لو كان جنسا للجواهر لكان تمايزها لا محالة بفصول على ما هو شأن الأنواع المندرجة تحت جنس فتلك الفصول إما أن تكون جواهر فينقل الكلام إلى ما به تمايزها ويلزم التسلسل (٣) وإما أن يكون أعراضا فيلزم تقوم الجوهر بالعرض وهو باطل لاستلزامه افتقار الجوهر إلى الموضوع ، وأيضا يلزم كون العرض محمولا على الجوهر ، ونفسه بحسب الوجود على ما هو شأن الفصل مع النوع.
وأما الثاني : فلأن معنى القابلية وإمكان الفرض وصحته ونحو ذلك من العبارات أمر لا تحقق له في الخارج ، وإلا لقام بمحل قابل له ضرورة أنه من المعاني العرضية دون الجوهرية ، فننقل الكلام إلى تلك القابلية ، ويلزم التسلسل في الأمور الموجودة المترتبة. ضرورة (٤) توقف تحقق كل قابلية على قابلية أخرى
__________________
(١) سقط من (ب) كلمة (الجوهر).
(٢) الجنس في اللغة الضرب من كل شيء ، وهو أعم من النوع ، يقال : الحيوان جنس والانسان نوع مثال ذلك إذا كان أحد الصنفين مندرجا في الآخر كان الأول نوعا والثاني جنسا وكان الثاني أعم من الأول.
قال ابن سينا : الجنس : هو المقول على كثيرين مختلفين بالأنواع أى بالصور والحقائق الذاتية وهذا يخرج النوع والخاصة والفصل القريب وللجنس عند قدماء الفلاسفة ثلاث مراتب وهي الجنس العالي ، وهو الجنس الذي لا يوجد فوقه جنس آخر ويسمى جنس الأجناس كالموجود والجنس المتوسط وهو الجنس الذي يكون فوقه وتحته جنس كالجسم او الجسم النامي ، والجنس السافل وهو الجنس الذي لا يكون تحته جنس كالحيوان.
(٣) سقط من (أ) لفظ (التسلسل).
(٤) سقط من (ب) لفظ (ضرورة).