ويحرق بعض حيواناته ، وما ينفذ في المتخلخل فلا يحرقه ، ويذيب ما يصادفه من الأجسام الكثيفة الصلبة ، حتى يذيب الذهب في الكيس ، ولا يحرق الكيس إلا ما يحرق عن الذوب، ويذيب ضبة الترس ، ولا يحرق الترس ، وإن من الكواكب ذوات الأذناب ما يبقى عدة شهور ، ويكون لها حركات طولية وعرضية إلى غير ذلك من الأمور الغريبة التي لا يكفي فيها ما ذكر من الأسباب المادية والفاعلية ، بل لا بد من تأثير من القوى الروحانية. وقد تواتر في بلاد الترك ، ونواحي أرس (١) وبلغار (٢) من خواص النباتات والأحجار في شأن السحب والرياح والأمطار وغير ذلك ما يجزم العقل بأنه ليس صادرا عن النبات والحجر (٣) ، بل عن خالق القوى والقدر ، وسمعت غير واحد من الثقات ، أنهم إذا سافروا في الصيف ، اصطحبوا واحدا من الكفرة يقوم باستعمال بعض تلك الأحجار مبتهلا متضرعا في أثناء ذلك إلى الخالق سبحانه وتعالى على طريقتهم ، وله رياضة عظيمة ، وترك للشهوات ، ونسب في جماعة مخصوصة مشهورة باستنزال المطر ، فيحدث سحابة قدر ما يظل أولئك السفر (٤) ، فيها ريح تدفع عنهم البعوض ، تسير معهم إذا ساروا ، وتقف إذا وقفوا ،
__________________
(١) لا توجد أرس وإنما توجد أوراس : بالسين المهملة : جبل بأرض إفريقية فيه عدة قبائل من البربر وبعض البلاد ، وتوجد أرس بالفتح ثم الضم والسين المهملة مشددة موضع في قول مطير بن الأشيم :
تطاول ليلي بالأرس فلم أنم |
|
كأني أسوم العين نوما محرّما. |
(٢) بلغار : بالضم والغين معجمة : مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال شديدة البرد لا يكاد الثلج يقلع عن أرضها صيفا ولا شتاء ، وقلّ ما يرى أهلها أرضا ناشفة ، وبناؤهم بالخشب وحده ، وهو أن يركبوا عودا فوق عود ويسمروها بأوتاد من خشب أيضا محكمة ، والفواكه والخيرات بأرضهم لا تنضب ، وبين إتل مدينة الخزر وبلغار على طريق المفاوز نحو شهر ، ويصعد إليها في نهر إتل نحو شهرين وفي الحدود نحو عشرين يوما ، ومن بلغار إلى أول حد الروم نحو عشر مراحل ومنها إلى كوبابة مدينة الروس عشرين يوما ، ومن بلغار إلى بشجرد خمس وعشرون مرحلة ، وكان ملك بلغار وأهلها قد أسلموا في أيام المقتدر بالله وأرسلوا إلى بغداد رسولا يعرفون المقتدر ذلك ويسألونه إنفاذ من يعلمهم الصلوات والشرائع. الخ ..
راجع معجم البلدان ح ١ صفحة ٤٨٥ وما بعدها
(٣) إن النبات لا يملك من أمر نفسه شيئا وكذلك الحجر لأن الله سبحانه وتعالى يقول : «أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون» وكذلك الحجر فالله سبحانه وتعالى هو الخالق والمبدع ، وإذا كان قال في حق الخلق جميعا «والله خلقكم وما تعملون» فكيف بالجماد ..؟
(٤) في (أ) السفر بدلا من (النفر) وهو تحريف.