وربما يصير يقينا بالنسبة إلى بعض الأذهان لمعونة (١) القرائن ، وأنه لا يمتنع تكونها بأسباب أخر ، وإن بعض ما ذكروا من الأسباب ناقص يفتقر إلى تأثير من القوى الروحانية ، وفيما يشاهد في بلاد الترك من خواص النباتات والأحجار في أمر الرياح والأمطار ما يشهد بأن لا مؤثر إلا الله ولا خالق سواه].
يعني أن ما ذكر في الآثار العلوية (٢). أي التي فوق الأرض والسفلية أي التي على وجهها وتحتها (٣) ، إنما هو رأي الفلاسفة لا المتكلمين القائلين باستناد جميع ذلك إلى إرادة القادر المختار. ومع ذلك. فالفلاسفة معترفون بأنها ظنون مبنية على حدس (٤) وتجربة ، يشاهد أمثالها كما يرى في الحمام من تصاعد الأبخرة وانعقادها ، وتقاطرها (٥) ، وفي البرد الشديد من تكاثف ما يخرج بالأنفاس كالثلج ، وفي المرايا من اختلاف الصور والألوان ، وانعكاس الأضواء على الأنحاء المختلفة ، إلى غير ذلك ، فهذا وأمثاله من التجارب والمشاهدات ما يفيد ظن استناد تلك الآثار إلى ما ذكروا من الأسباب ، وقد ينضم إليها من قرائن الأحوال ، ما يفيد اليقين الحدسي (٦) ، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص فيحصل اليقين للبعض دون البعض. واعترفوا أيضا بأنه لا يمتنع استنادها إلى أسباب أخر ، لجواز أن يكون للواحد ، بالنوع علل متعددة ، وأن يكون صدوره عن البعض أقليا ، وعن البعض أكثريا. وبأن في جملة ما ذكر من الأسباب ما يحكم الحدس ، بأنه غير تام السببية ، بل يفتقر إلى انضمام قوى روحانية لولاها لما كانت كافية في إيجاب ما هي أسبابه ، فإن من الرياح ما يقلع الأشجار العظيمة ، ويختطف المراكب من البحار ، وإن من الصواعق ما يقع على الجبل فيدكه ، وعلى البحر فيغوص فيه ،
__________________
(١) في (أ) لوجود بدلا من (لمعونة).
(٢) كالسماء التي رفعت بغير عمد ، وما فيها من نجوم وكواكب وغير ذلك من أشياء تدل دلالة قاطعة على الصانع الحكيم.
(٣) على وجهها من النبات والأشجار وما تخرجه من أثمار وأزهار تسقى بماء واحد وتختلف في الشكل والطعم.
(٤) سبق الحديث عن الحدس في كلمة وافية.
(٥) هناك نظرية علمية تقول : إذا التقى بخار ساخن بجسم صلب بارد تحول إلى ماء.
(٦) سقط من (ب) لفظ (الحدسي).