بالحديد الصيني ، والانقنجوسن فجوهر مركب من بعض الفلزات ، وليس بالخارصيني والذوبان في غير الحديد ظاهر. وأما في الحديد فيكون بالحيلة على ما يعرفه أرباب الصنعة ، وشهدت الأمارات بأن مادة الأجسام السبعة الزئبق والكبريت ، واختلاف الأنواع والأصناف عائد إلى اختلاف صفاتهما واختلاطهما ، وتأثر أحدهما عن الآخر ، أما الأمارات فهي أنها سيما الرصاص تذوب إلى مثل الزئبق ، والزئبق ينعقد برائحة الكبريت إلى مثل الرصاص ، والزئبق يتعلق بهذه الأجساد ، ثم الزئبق مركب من مائية وكبريتية. وامتحان علم الصنعة أيضا يشهد بذلك. واعتراض أبي البركات (١) بأنه لو كان الأمر (٢) كذلك لوجد كل من الزئبق والكبريت في معدن الآخر ، وفي معادن هذه الأجسام مدفوع بأنه يجوز أن يكون عدم الوجدان لتغيرهما بالامتزاج ، أو لعدم الاحساس بواسطة تصغر الأجزاء ، وأما كيفية تكونها ، فهي أنه إذا كان الزئبق والكبريت صافيين ، وكان انطباخ أحدهما بالآخر تاما ، فإذا كان الكبريت مع بقائه أبيض غير محترق تكونت الفضة ، وإن كان أحمر وفيه قوة صباغة لطيفة غير محرقة تكون الذهب ، وإن كانا نقيين وفي الكبريت قوة صباغة لكن وصل إليه قبل كمال النضج برد مجمد عاقد يكون الخارصيني ، وإن كان الزئبق نقيا ، والكبريت رديئا ، فإن كان مع الرداءة فيه قوة إحراقية ، تكون النحاس ، وإن كان غير شديد المخالطة بالزئبق ، بل متداخلا إياه سافا فسافا تولد الرصاص ، وإن كان الزئبق والكبريت رديئين ، فإن قوي التركيب ، وفي الزئبق تخلخل أرضي ، وفي الكبريت إحراق تكون الحديد ، وإن ضعف التركيب تكون الأسرب ، وأصحاب الصنعة يصححون هذه الدعاوي بعقد الزئبق بالكبريت انعقادا محسوسا يحصل لهم بذلك غلبة الظن ، بأن الأحوال الطبيعية تقارب الأحوال الصناعية ، وأما القطع فلا يد (٣) فيه لأحد.
__________________
(١) هو أبو البركات بن القضاعي ، طبيب مشهور لقبه الخليفة الموفق بأبي البركات كان ماهرا في صناعته متضلعا من علومها ، وكانت صناعته الرمد ويعد من الأفاضل فيها. خدم الملك العزيز بن الملك الناصر صلاح الدين بالديار المصرية ، وتوفي بالقاهرة سنة ٥٩٨ ه راجع دائرة معارف القرن العشرين ٢ : ١٣٨
(٢) سقط من (أ) لفظ (الأمر)
(٣) في (ب) يدعيه بدلا من (يدفيه)