ومعرفة مقدار كل منهما في المركب مع بقاء التركيب ، وفي عمل الموازين القريبة جعله خاتمة بحث المعدنيات ، لأن أمره فيها أظهر ، واحتياجها إليه أكثر وقد سبقت إشارة إلى أن اختلاف الأجسام في الخفة والثقل ، عائد إلى اختلافها في الصور والاستعدادات ، لا إلى كثرة الأجزاء وقلتها مع تخلل الخلاء ، وبحسب تفاوتها في الخفة والثقل ، تتفاوت فيما يتبع ذلك من الحجم والحيز والطفو على الماء والرسوب فيه ، ومن اختلاف أوزانها في الماء ، بعد التساوي في الهواء. مثلا حجم الأخف يكون أعظم من حجم الأقل مع التساوي في الوزن ، كمائة مثقال من الفضة ، ومائة من الذهب ، وحيز الأخف يكون إلى صوب المحيط (١) ، والأثقل إلى صوب المركز ، وإن تساويا وزنا أو حجما ، والأخف قد يعلو الماء ، والأثقل يرسب فيه كالخشب والحديد ، وإن كان وزن الخشب أضعاف وزن الحديد ، وإذا كان في إحدى كفتي الميزان مائة مثقال من الحجر ، وفي الأخرى مائة مثقال من الذهب أو الفضة أو غيرهما من الأجساد التي جوهرها أثقل من جوهر الحجر ولا محالة يقوم الميزان مستويا في الهواء ، فإذا أرسلنا الكفتين في الماء لم يبق الاستواء. بل يميل العمود إلى جانب الجوهر الأثقل ، وكلما كان من جوهر أثقل ، كان الميل أكثر ، ويفتقر الاستواء إلى زيادة في الحجر حسب زيادة الثقل ، مع أن وزن الجوهر ليس إلا مائة مثقال مثلا ، وذلك لأن الأثقل أقدر على خرق القوام الأغلظ ، وأما إذا أرسلنا أحدهما فقط في الماء ، فالعمود يميل إلى جانب الهواء ، لكونه أرق قواما. وقد حاول أبو ريحان (٢) تعيين مقدار تفاوت ما بين الفلزات ، وبعض الأحجار في الحجم ، وفي الخفة والثقل ، بأن عمل إناء على شكل الطبرزد مركبا على عنقه شبه ميزاب منحني (٣) ، كما يكون حال الأباريق ، وملأه ماء وأرسل فيه مائة مثقال من
__________________
(١) في (ب) المركز بدلا من (المحيط)
(٢) هو محمد بن أحمد ، أبو الريحان البيروني الخوارزمي ، فيلسوف رياضي مؤرخ من أهل خوارزم. أقام في الهند بضع سنين ومات في بلده عام ٤٤٠ ه اطلع على فلسفة اليونانيين والهنود ، وعلت شهرته ، وارتفعت منزلته عند ملوك عصره ، وصنف كتبا كثيرة جدا متقنة ، رأى ياقوت فهرستها بمرو في ستين ورقة بخط مكتنف ، وياقوت مكثر من النقل من كتبه منها (الآثار الباقية عن القرون الخالية) ترجم إلى الإنجليزية والاستيعاب في صنعة الأسطر لاب ، والجماهر في معرفة الجواهر ، وتاريخ الأمم الشرقية وتاريخ الهند ، وفي أحكام النجوم ، وتحقيق ما للهند من مقولة مقبولة
(٣) في (ب) ميزان بدلا من (ميزاب)