يعني الدم والبلغم والصفراء (١) والسوداء ، وذلك بحكم الاستقراء ، فإن الحيوان سواء كان صحيحا أو مريضا ، يجد دمه مخالطا لشيء كالرغوة وهو الصفراء ، أو لشيء كالرسوب وهو السوداء ، أو لشيء كبياض البيض وهو البلغم ، وما هذه الثلاثة فهو الدم ، وقد يقال: إن الكيلوس إذا انطبخ ، فإن كان معتدلا فالدم ، وإن كان قاصرا فالبلغم والسوداء ، وإن كان مفرطا فالصفراء. وأيضا فإن الأخلاط تتكون من الأغذية المركبة من الأسطقسات الأربعة ، فبحسب غلبة قوة واحد واحد منها يوجد خلط خلط. وأيضا الغذاء شبيه بالمغتذي ، وإن في البدن عضوا باردا يابسا كالعظم ، وباردا رطبا كالدماغ ، وحارا رطبا كالكبد ، وحارا يابسا كالقلب ، فيجب أن تكون الأخلاط كذلك ليغتذي كل عضو بما يناسبه ، هذا والحق أن الغاذي بالحقيقة هو الدم ، وباقي الأخلاط كالأبازير المصلحة ، ولهذا كان أفضل الأخلاط ، وأعدلها مزاجا وقواما ، وألذها طعما ، وفسروا الخلط بأنه جسم رطب سيال ، يستحيل إليه الغذاء أولا ، واحترز بالرطب ، أي سهل القبول للتشكل عند عدم مانع من خارج ، عن مثل العظم والغضروف ، وبالسيال أي ما من شأنه أن ينبسط أجزاء متسفلة بالطبع ، حيث لا مانع عن مثل اللحم والشحم ، إن قلنا بكونهما رطبيين ، والمراد بالاستحالة التغير في الجوهر بحرارة البدن ، وتصرف الغاذية بقرينة التعدية بإلى (٢).
إذ يقال في العرف ، استحال الماء إلى الهواء ، وقلما يقال. استحال الماء الحار إلى الباردة ، بل باردا ، وبه احترز عن الكيلوس الذي يستحيل إليه الغذاء أولا في كيفيته ، والمراد بالغذاء ما هو المتعارف من مثل اللحم والخبز ، وسائر ما
__________________
(١) مادة الصفراء التي تفرزها المرارة ، ومرض الصفراء أيضا ، والصفراء : القوس ، والصفراء نبت ، والصفرية بالضم : صنف من الخوارج نسبوا إلى زياد بن الأصفر رئيسهم ، بكسر الصاد والصفار بالضم : اجتماع الماء الاصفر في البطن ، يعالج بقطع النائط ، وهو عرق في الصلب قال الراجز : قضب الطبيب نائط المصفور وقبله : وبجّ كلّ عاند نعور والصفر : فيما تزعم العرب : حية في البطن تعض الإنسان إذا جاع واللذع الذي يجده عند الجوع من عضه قال أعشى باهلة يرثي أخاه
لا يتأرّى لما في القدر يرقبه |
|
ولا يعض على شرسوفه الصفر |
وفي الحديث : لا صفر ولا هامة.
(٢) في (ب) التغذية بدلا من (التعدية)