فعلى الأول : يلزم أن يكون الشكل الحادث من فعل المصورة في المنى هو الكرة على ما هو شأن فعل القوة الغير الشاعرة في المادة المتشابهة.
وعلى الثاني : يلزم أن يكون الحاصل كرات مضمومة بعضها إلى بعض ، وأن لا يبقى وضع الأعضاء وترتيبها على نسبة واحدة لكون المنى رطوبة سيالة لا يحفظ الوضع والترتيب.
فإن قيل : إنما يمتنع اختلاف آثار القوة العديمة الشعور ، في المادة الواحدة لو لم تفد القوة المفصلة فيها تمييز أجزاء (١) ، واختلاف مواد للأعضاء.
قلنا : فيعود الكلام إلى القوة المفصلة. فإن اعترفوا بأن القوى في مرتبة الوسائط والآلات ، لا الفواعل والمؤثرات. والمؤثر إنما هو خالقها القادر المختار الفعال لما يشاء ، فقد اهتدوا ولم يبق سبيل إلى إثبات القوى. والحاصل أن ما يدرك بعلم التشريح (٢) من الصور والكيفيات والأوضاع في بدن الإنسان يمتنع أن يجعل فعل القوة المصورة في مادة المنى ، إما من جهة الفاعل ، فلكونه عديم الشعور. وإما من جهة القابل ، فلكونه متشابها.
وقد يجاب عن الأول. بأنه استبعاد وإنما يمتنع لو لم يكن ذلك بإذن خالقها ، بمعنى أنه خلقها كذلك ، وأوجدها كذلك. وعن الثاني : بأنه لو سلّم بساطة القوة المصورة ، وتشابه أجزاء المنى ، فلا خفاء في أنه من أجسام مختلفة الطبائع وحينئذ لا يلزم أن يكون الحيوان كرة أو كرات ، إذ لا يلزم أن يكون فعل القوة في المركب فعلها في واحد واحد من الأجزاء (٣).
__________________
(١) في (ب) تميزا آخر بدلا من (تمييز أجزاء)
(٢) علم التشريح هو العلم الذي يبحث عن أعضاء الحيوان والإنسان ليعرف ما بها من داء ويطبب لها الدواء وهو فن لا يتقنه إلا أولى الألباب من صفوة البشر ولقد عرف العرب قديما علم التشريح. ومنه تشريح اللحم قال الراجز :
كم قد أكلت كبدا وإنفحة |
|
ثم ادخرت ألية مشرحة |
والقطعة منه تسمى : شريحة ، وكل سمين من اللحم ممتد فهو شريحة وشريح.
وشرح الله صدره للإسلام فانشرح وشراحيل : اسم كأنه مضاف إلى إيل ويقال : شراحين أيضا بابدال اللام نونا عن يعقوب.
(٣) في (ب) الأجزام بدلا من (الأجزاء)