حادثة قبل حدوث البدن ، كما هو رأي بعض المليين. أن ذلك إنما يرد لو جعلت المصورة من قوى النفس الناطقة للمولود ، وأما لو جعلت من قوى نفسه النباتية ، المغايرة بالذات لنفسه الناطقة ، كما هو رأى البعض ، أو من قوى النفس الناطقة للأم ، فلا إشكال ، إلا أن كلامهم مضطرب في ذلك ، على ما يشعر به اضطرابهم في أن (١) الجامع لأجزاء البدن ، هل هو الحافظ لها أم لا ، وفي أنه نفس المولود أم غيرها ، فذكر الإمام. أن الجامع لأجزاء النطفة نفس الوالدين ، ثم أنه يبقى ذلك المزاج في تدبير نفس الأم إلى أن يستعد لقبول نفس ، ثم إنها تصير بعد حدوثها ، حافظة له ، وجامعة لسائر الأجزاء بطريق إيراد الغذاء.
ونقل عن ابن سينا أن الجامع لأجزاء بدن الجنين نفس الوالدين ، والحافظ لذلك الاجتماع أولا القوة المصورة لذلك البدن ، ثم نفسه الناطقة ، وتلك القوة ليست واحدة في جميع الأحوال ، بل هي قوى متعاقبة بحسب الاستعدادات المختلفة لمادة الجنين. وذكر في الشفاء أن النفس التي لكل حيوان هي جامعة أسطقسات بدنه ، ومؤلفتها ومركبتها على نحو يصلح معه ان يكون بدنا لها ، وهي حافظة لهذا البدن على النظام الذي ينبغي ، والأشبه بمقتضى قواعدهم ما ذكر في شرح الإشارات (٢) ، وهي أن نفس الأبوين تجمع بالقوة الجاذبة ، أجزاء غذائية ، ثم تجعلها أخلالها ، وتفرد منها (٣) بالقوة المولدة مادة المنى ، وتجعلها مستعدة لقبول قوة من شأنها إعداد المادة لصيرورتها إنسانا ، فتصير بتلك القوة منيا! وتلك القوة تكون صورة حافظة لمزاج المنى كالصورة المعدنية ، ثم إن المنى يتزايد كمالا في
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (أن)
(٢) سبق الحديث عن شرح الإشارات لنصير الدين الطوسي. والذي يقول عنه ابن القيم الجوزية في (إغاثة اللهفان) ٢ : ٢٦٧ نصير الشرك والكفر الملحد وزير الملاحدة ، النصير الطوسي وزير هولاكو شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه فعرضهم على السيف حتى شفي إخوانه من الملاحدة واشتفى هو. فقتل الخليفة المعتصم والقضاة والفقهاء والمحدثين ، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة إلى أن يقول : واتخذ للملاحدة مدارس ورام جعل «إشارات» إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر على ذلك فقال : هي قرآن الخواص ، وذلك قرآن العوام ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر ، وتعلم السحر في آخر الأمر ، فكان ساحرا يعبد الأصنام.
(٣) في (ب) ويقرر أنها بدلا من (تفرد منها)