أما الأول : فلأنا نجد بالضرورة انتفاء الرؤية عند انتفاء شيء من تلك الشرائط. وردّ. بأن العدم لا يدل على الامتناع.
وأما الثاني : فلأنه لو جاز عدم الإبصار معها ، لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة ، ورياض رائقة ، ونحن لا نراها واللازم باطل قطعا.
وردّ بأنه إن أريد باللازم ، إمكان ذلك في نفسه فلا نسلم (١) بطلانه ، وإن أريد الاحتمال ، والتجويز العقلي بحيث لا يكون انتفاؤه معلوما عند العقل على سبيل القطع ، فلا نسلم (٢) لزومه. فإن ذلك من العلوم العادية على ما سبق تحقيقه.
ومنهم من قال : إن اشتراط هذه الشروط ، إنما هو عند تعلق النفس بالبدن ، هذا التعلق المخصوص ، أو كون الباصرة (٣) على هذا القدر من القوة ، لا على حد آخر فوقه ، كما في الآخرة ، قال ، أو في حكم المقابل ، يعني كما في رؤية الوجه في المرآة.
[قال (وأما الحواس الباطنة)
فمنها الحس المشترك ، وهي القوة التي يجتمع فيها صور المحسوسات بتأديها إليها من طرق الحواس ، يدل عليها الحكم ببعض المحسوسات على البعض ، ومشاهدة النائم والمريض ما ليس في الخارج ، ومشاهدة الكل القطرة النازلة خطا ، والشعلة الجوالة دائرة ، ومبناه على أن صور المحسوسات لا ترتسم في النفس ، وإن كانت هي الحاكمة والمدركة ، وعلى ضرورة أنه لا يرتسم في البصر إلا المقابل ، أو ما هو في حكمه.
فإن قيل : كون اللمس أو الذوق ليس بالدماغ قطعي.
__________________
(١) في (أ) ثم بدلا من (نسلم)
(٢) في (أ) ثم بدلا من (نسلم)
(٣) باصرته : إذا أشرفت تنظر إليه من بعيد ، والبصر : العلم وبصرت بالشيء علمته قال الله تعالى : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) والبصير : العالم ، والتبصر : التأمل والتعرف.
والتبصير : التعريف والايضاح ، والمبصرة : المضيئة ومنه قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً). والمبصرة بالفتح الحجة.