الآخرون بأن اختلاف النفوس في صفاتها ، لو لم يكن لاختلاف ماهياتها ، بل لاختلاف الامزجة والاحوال البدنية ، والأسباب الخارجية لكانت الأشخاص المتقاربة جدا في أحوال البدن ، والأسباب الخارجة متقاربة البتة في الملكات ، والأخلاق من الرحمة والقسوة ، والكرم والبخل ، والعفة والفجور وبالعكس واللازم باطل ، إذ كثيرا ما يوجد الأمر بخلاف ذلك ، بل ربما يوجد الإنسان الواحد قد تبدل مزاجه جدا ، وهو على غريزته الاولى. ولا خفاء في أن هذا من الإقناعيات الضعيفة لجواز أن يكون ذلك لأسباب أخر لا نطلع على تفاصيلها.
[قال (واستنادها) :
إلى القادر المختار عندنا يقتضي حدوثها مجردة كانت أو لا ، واختلفت ظواهر النصوص ، في أن الحدوث قبل البدن أو بعده ، وأما عند الفلاسفة. فقيل قديمة. لأن الحادث لا يكون أبديا ، ولا عن المحل غنيا ، وكلاهما ممنوع ، وقيل حادثة لوجوه.
الأول : أنها قبل التعلق تكون معطلة ، ولا تعطل في الوجود بخلاف ما بعد المفارقة ، فإنها في روح وريحان (١) ، أو عذاب ونيران.
الثاني : أنه إذا حدث للبدن مزاجه الخاص ، فاضت عليه نفس تناسب استعداده لعموم الفيض ، والمشروط بالحادث حادث.
فإن قيل : فيلزم انتفاؤه بانتفائه.
قلنا : هو شرط الحدوث لا الوجود.
واعترض : بأن المترصد (٢) لاكتساب الكمال لا يكون معطلا ، وبأن المزاج شرط التعلق لا الحدوث.
__________________
(١) قال تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ، وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ).
سورة الواقعة الآيات ٨٨ ـ ٩٤.
(٢) الراصد للشيء : المراقب له ، والترصد : الترقب ، والرصيد السبع الذي يرصد ليثب ، والرصود من ـ