الثالث : وهو العمدة ، أنها بعد التعلق متعددة قطعا ، فقبله إن كانت واحدة ، فالتعدد بعد الوحدة ، مع منافاته التجرد مستلزم للمطلوب ، وإن كانت متعددة فتمايزها بالماهية ، ولوازمها ينافي التماثل ، وبما يحل فيها ، كالشعور بهويتها مثلا يستلزم الدور ، وبالعوارض المادية ، بأن يتعاقب الأبدان لا عن بداية يستلزم التناسخ ، وقدم الجسم ، وأما بعد المفارقة ، فالامتياز باق ، لما حصل لكل من الخواص ، وأقلها الشعور بهويتها.
واعترض بمنع التماثل ، ولو بين نفسين ، ومنع استحالة قدم الجسم ، والتناسخ (١) كيف وقد بنوا بيان بطلانه على حدوث النفس.
فإن قيل : تعين النفس إنما يكون ببدن معين ، فقبله لا تعين فلا وجود بطل التناسخ أو لم يبطل.
قلنا : لا بد من إبطال أن يتعين قبله ببدن آخر معين ، وهكذا.
وقد يجاب بأن الخصم معترف بالمقدمتين].
يعني : أن النفوس الإنسانية سواء جعلناها مجردة أو مادية حادثة عندنا لكونها أثر القادر المختار. وإنما الكلام في أن حدوثها قبل البدن لقوله عليهالسلام «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام» (٢) أو بعده لقوله تعالى بعد ذكر أطوار البدن (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (٣) إشارة إلى إفاضة النفس ، ولا دلالة في الحديث مع كونه خبر واحد ، على أن المراد بالأرواح النفوس البشرية ، أو الجواهر العلوية. ولا في
__________________
ـ الإبل : التي ترصد شرب الإبل تشرب هي. والمرصد : موضع الرصد.
وفي الحديث : إلا أن أرصده لدين علي .. والمرصاد : الطريق ، والرصدة بالفتح : الدفعة من المطر.
(١) التناسخ مذهب من مذاهب الملحدين وخلاصته أن يحل النفس التي مات صاحبها في جسد آخر جديد لطفل وليد وهكذا وفي اللغة : نسخت الشمس الظل وانتسخته ازالته ، ونسخ الآية بالآية إزالة مثل حكمها فالثانية ناسخة والأولى منسوخة ، والتناسخ في الميراث أن يموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم.
(٢) الحديث رواه الترمذي في ثواب القرآن ٤.
(٣) سورة المؤمنون آية رقم ١٤.