وثانيهما : أنها لو كانت قابلة للفناء والفساد وهي باقية بالفعل ، لكان فيها فعل البقاء ، وقوة الفساد ، وهما متغايران ضرورة ، ويمتنع أن يكون محليهما واحدا ، لأن محل قبول الشيء يكون باقيا معه موصوفا به (١) ، ومحال أن يكون الباقي بالفعل ، باقيا مع الفناء والفساد ، والنفس جوهر بسيط محل للبقاء بالفعل ، فيمتنع أن يكون بعينها محلا لقوة الفساد ، أو مشتملة عليه ، فلا تكون هي ، ولا شيء من المجردات قابلة للفناء والفساد ، وإنما يكون ذلك للصور (٢) والأعراض ، ويكون القابل هو المادة الباقية.
فإن قيل : قوة الفناء هي إمكان العدم ، وهو أمر اعتباري لا يقتضي وجود محل.
أجيب : بأن المراد الإمكان الاستعدادي الذي يجتمع (٣) مع وجود الشيء لا الامكان الذاتي الاعتباري.
ورد هذا الدليل : بأنا لا نسلم أن قوة قبول الأمر (٤) العدمي ، كالفناء مثلا ، يقتضي وجود محل لها يجتمع مع المقبول. ولو سلم ، فقد سبق أن الحدوث أيضا يقتضي مادة ، ويكفي المادة التي تتعلق بها النفس من غير حلول ، فلم لا يكفي مثلها في قوة الفناء. قد يجاب : بأن القوة الاستعدادية عرض ، فلا بدّ له من محل سواء كان استعدادا لقبول أمر وجودي أو عدمي ، ثم استعداد بدن الجنين (٥) ، بما له من اعتدال المزاج ، لأن يفيض عليه من المبدأ نفس تدبره معنى معقول (٦) ، وأما استعداده ببطلان ذلك المزاج ، لأن ينعدم ذلك المدبر (٧) فغير معقول ، بل غايته أن ينعدم ما بينهما من العلاقة وهو لا يقتضي الفناء.
__________________
(١) في (ب) معروفا به بدلا من (موصوفا به).
(٢) سقط من (أ) لفظ (للصور).
(٣) في (ب) يمتنع بدلا من (يجتمع).
(٤) في (ب) الأثر بدلا من (الأمر).
(٥) في (ب) قوة بدلا من (بدن).
(٦) في (ب) معين بدلا من (معنى).
(٧) في (أ) المدير بدلا من (المدبر) وهو تحريف.