الكليات من غير افتقار إلى حصول الصورة في النفس.
وبالجملة : فقد جاز الإدراك من غير ارتسام صورة في المدرك. فلم أوجبتم ذلك في إدراك الكليات مع أنكم تقولون الإدراك معنى واحد يختلف بالإضافة إلى الحس أو العقل.
[قال (تنبيه) :
فعندهم لا يبقى إدراك الجزئيات ، عند فقد الآلات ، وعندنا يبقى ، بل الظاهر من قانون الإسلام ، الإدراكات المتجددة أيضا ، ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة من نفوس الأخيار].
لما كان إدراك الجزئيات مشروطا عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات ، فعند مفارقة النفس ، وبطلان الآلات لا تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط ، وعندنا لما لم تكن الآلات شرطا في إدراك الجزئيات. إما لأنه ليس بحصول الصورة ، لا في النفس ، ولا في الحس. وإما لأنه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس ، بل الظاهر من قواعد الإسلام ، أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية ، واطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء (١) ، سيما الذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا ينتفع بزيارة القبور ، والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات ، واستدفاع الملمات (٢) ، فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا ما بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها ، فإذا زار الحي تلك التربة ، وتوجهت نفسه (٣) تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقاة وإفاضات.
__________________
(١) كما روى في الصحيحين أن الميت وهو في قبره يسمع خفق نعال المشيعين. وروى البخاري بسنده في كتاب الجنائز عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ٩٠ باب كلام الميت على الجنازة قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها لصعق.
(٢) كما يحدث من الأحياء في توسلهم بالأموات وطلبهم منهم قضاء الحاجات ودفع الملمات ـ وهذا من الشرك الذي نهى الله عنه.
(٣) سقط من (أ) لفظ (نفسه)