وثانيهما : القول بالطفرة (١) ، وهو أن يترك المتحرك حدا من المسافة ، ويحصل في حد آخر من غير محاذاة وملاقاة لما بينهما ، وحاصله قطع بعض حدود المسافة من غير ملاقاة لأجزائه وحينئذ لا يلزم امتناع أن يصل المتحرك إلى غاية ما أو يلحق السريع البطيء ، وكلا الأمرين باطل بالضرورة. أما التداخل فلأن حاصله تساوى الكل ، والجزء في العظم ، وأما الطفرة فلأن معناها يؤول إلى قطع مسافة ما ، من غير حركة فيها ، وقطع لأجزائها ، ومن الشواهد الحسية لبطلانها أنا نمد القلم فيحصل خط أسود ، من غير أن يبقى في خلاله أجزاء بيض ، وليس ذلك لفرط اختلاط الأجزاء البيض بالسود ، بحيث لا يمتاز عند الحس لأن الأجزاء المحسوسة (٢) أقل من المطفور عنها بكثير ، بل لا نسبة لها إليها ؛ لكونها غير متناهية ، فينبغي أن يقع الإحساس بالبيض ، وقد يستدل على نفي التداخل بأنه إن كان بالأسر بمعنى أن يلاقي الجزء بكليته الجزء الآخر بحيث يصير حيزاهما (٣) واحدا لم يكن الوسطاني حاجبا للطرفين عن التماس ، وبقي (٤) الإشكال بالنظر إلى الأجزاء المتماسة ، بل لو وقع ذلك في جميع الأجزاء لم يحصل هناك حجم ، وتأليف ، وامتداد في الجهات ، فلم يحصل الجسم ، وإن كان لا بالأسر ، وذلك بأن يلاقي الجزء الجزء ، ويداخله بشيء دون شيء لزم التجزي ، ولو بالفرض مع بقاء الإشكال بحاله. واعلم أن النّظّام لم يقل بتأليف الجسم من أجزاء غير متناهية ، لكنه لما قال بالجزء ، ونظر في أدلة نفيه ، سيما ما يتعلق بلزوم بطلان حكم الحس ، كتفكك الرحى ونحوه ، اضطر إلى الحكم بأن كل جزء فهو قابل للانقسام لا إلى نهاية ، ولما كان من مذهبه أن حصول الأقسام من لوازم قبول الانقسام ، لزمه القول
__________________
(١) الطفرة : قال ابن حزم في كتابه الفصل : نسب قوم من المتكلمين الى ابراهيم النظام أنه قال : إن المار على سطح الجسم يسير من مكان الى مكان بينهما أماكن لم يقطعها هذا المار ولا مر عليها ولا حاذاها ولا حل فيها. وهذا عين المحال والتخليط إلا إن كان هذا على حد قوله في أن ليس في العالم الا جسم حاشا الحركة فقط. فانه وان كان قد أخطأ في القصة فكلامه الذي ذكرنا خارج عليه خروجا صحيحا لأن هذا الذي ذكرنا ليس موجودا البتة إلا في حاسة البصر فقط. راجع ما كتبه ابن حزم في هذا الموضوع ودائرة المعارف للقرن العشرين ص ٧٥١ ج ٥
(٢) في (ب) الممشوقة بدلا من (المحسوسة)
(٣) في (ب) جزءاهما بدلا من (حيزاهما).
(٤) في (ب) وبقى بدلا من (ونفى)