وللتنبيه على هذا المعنى تعرضوا مع الانفصال للاتصال ، وإلا فلا دخل لاتصال الأجسام بعضها ببعض في اختلاف أشكالها ومقاديرها ، وعلى هذا يحمل ما قال في شرح الإشارات : أن المغايرة بين الأجسام لا تتصور إلا بانفصال بعضها عن بعض ، واتصال بعضها ببعض ، وذلك مستلزم للمادة ، ولما لاح على هذا الطريق أثر الضعف بناء على أنهم بنوا ثبوت المادة على إمكان الاتصال والانفصال في الجسم نفسه ، حتى لو لم يوجد إلا جسم واحد كان كذلك لا الاتصال والانفصال فيما بين الأجسام ، وأن دعوى إمكان الاتصال فيما بين كل جسمين حتى الفلك والعنصر بحسب الطبيعة الجسمية ربما لا يسمع عدل إلى طريق الانفعال. فقال : وبالجملة لا يمكن أن يحصل الاختلافات المقدارية والشكلية عن فاعلها في الامتداد ، إلا بعد أن يكون فيه قوة الانفصال المقتضية للمادة.
وأجيب عن النقض أيضا بوجهين :
أحدهما : أن هناك مادة تقبل الكلية والجزئية لقبولها بذاتها الاتصال والانفصال ، فيعود اختلاف الشكل والمقدار فيما بين الكل والجزء ، إلى اختلاف القابل ، وإن كان الفاعل واحدا هو الصورة النوعية ، بخلاف الصورة الجسمية. إذا فرضناها مجردة عن المادة ، فإنه لا يتصور فيها ذلك ، لأن حصول الجزئية بالانقسام ، والكلية بالالتئام من لواحق المادة.
وثانيهما : أن هناك مانعا هو الجزئية ، فإنه لما حصل للكل ذلك الشكل والمقدار امتنع بالضرورة حصوله للجزء ، ما دام الجزء (١) جزءا ، والكل كلّا ، ولا يتصور ذلك في الصورة المجردة من المادة ، وهذا عائد إلى الأول ، إلا أنه يرد عليه أن الجزء وإن امتنع كونه على مقدار الكل ، لا يمتنع كونه على شكله كتدوير الفلك وحامله (٢) ، والمقصود بالنقض هو الشكل ، وإنما المقدار استطراد.
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (الجزء)
(٢) في (ب) وحاصله بدلا من (وحامله)