فمرجع الأول إلى إيجاب كلي ـ والثاني إلى سلب كلي ، والأشبه هو الإيجاب الجزئي بمعنى أنه يجب أن يوجد في كل جسم شيء من الأعراض ، إلا أن القائلين بالتفصيل منهم من خصه بالألوان بمعنى أنه يجب أن يوجد فيه شيء من الألوان وهم المعتزلة البغدادية ، ومنهم من خصه بالأكوان بمعنى أنه يجب أن يوجد فيه الحركة أو السكون ، والاجتماع ، أو الافتراق ، وهم البصرية ، واحتجاج المانعين بأن الجسم متحقق في الزمان ومتكثر بالعدد فلا يخلو عن حركة أو سكون ، واجتماع أو افتراق على تقدير تمامه. إنما يفيد هذا الإيجاب الجزئي لا الإيجاب الكلي المدعي. نعم يصلح للرد على القائلين بالسلب (١) الكلي ، وعلى البغدادية القائلين بجواز الخلو عما عدا الألوان ، وكذا احتجاجهم بأن الشيء لا يوجد بدون التشخص ضرورة ، وتشخص الأجسام إنما هو بالأعراض لكونها متماثلة لتألفها من الجواهر المتماثلة ، فلو وجدت بدون الأعراض لزم وجود الغير المتشخص وهو محال لا يفيد العموم. أعني امتناع الجسم بدون أحد الضدين من كل عرض ، لأن البعض كاف في التشخص. نعم يفيد عموم الأوقات. أعني الأزل (٢) ، وما لا يزال بخلاف الأول فإنه ربما يمنع امتناع خلو الجسم في الأزل عن الحركة والسكون ، بل إنما يكون ذلك في الزمان الثاني والثالث وعن الاجتماع والافتراق ، بل إنما يكون ذلك على تقدير تحقق جسم آخر ، فيحتاج في التعميم إلى قياس ما قبل الاتصاف. أعني الأزل على ما بعده ، أعني ما لا يزال كما يقاس بعض الأعراض على البعض تعميما للدليلين في جميع الأعراض ، وتقريره أن اتصاف الجوهر بالعرض إما لذاته ، وإما لقابليته له ، ونسبة كل منهما إلى جميع الأعراض والأزمان على السوية والجواب منع المقدمتين.
__________________
(١) السلب : مقابل الايجاب ، والمراد به مطلقا رفع النسبة الوجودية بين شيئين (ابن سينا ، النجاة ص ١٨) وقد يراد بالايجاب والسلب الثبوت واللاثبوت ، فثبوت شيء لشيء إيجاب ، وانتفاؤه عنه سلب ، وقد يعبر عنهما بوقوع النسبة أو لا وقوعها.
والسلب في القضية الحملية هو الحكم بلا وجود محمول لموضوع فالقضية الموجبة ما اشتملت على الايجاب ، والقضية السالبة ما اشتملت على السلب. وسلب العموم نفي الشيء عن جملة الأفراد ، لا عن كل فرد ، وعموم السلب بالعكس (كليات أبي البقاء)
(٢) سقط من (أ) جملة (أعني الأزل)