والافتراق ، وبأنها متماثلة لا تتميز ولا تتشخص إلا بالأعراض ، ووجود غير المتشخص محال.
والجواب : أن هذا لا يفيد العموم (١) المتنازع إلا إذا اعتبر البعض بالبعض وهو باطل. واحتج المجوز بأن أول الأجسام خال عن الاجتماع والافتراق ، والهواء عن اللون ، فإن عدم إدراك المحسوس بلا مانع دليل العدم ، وادعاء المانع بلا بيان مفض إلى السفسطة (٢).
اعلم أن ظاهر مذهبي المنع ، والتجويز ليسا على طرفي النقيض لأن حاصل الأول وهو مذهب أكثر المتكلمين أنه يجب أن يوجد في كل جسم أحد الضدين من كل عرض ، أي من كل جنس من أجناس الأعراض ، إذا كان قابلا له كذا في نهاية العقول ، وقال إمام الحرمين (٣) مذهب أهل الحق أن الجوهر لا يخلو عن كل جنس من الأعراض ، وعن جميع أضدادها ، إن كان له أضداد ، وعن أحد الضدين إن كان له ضد ، وعن واحد من جنسه إن قدر عرض لا ضد له ، ولا خلاف في امتناع الخلو (٤) عن الاعراض بعد قبولها ، وحاصل الثاني أنه يجوز أن لا يوجد فيه شيء من الأعراض ، إما في الأزل كما هو رأى الدهرية القائلين بأن الأجسام قديمة بذواتها ، محدثة بصفاتها ، وإما فيما لا يزال كما هو رأى الصالحية من المعتزلة.
__________________
(١) في (ب) العدم بدلا من (العموم)
(٢) أصل هذا اللفظ في اليونانية (سوفيسما) وهو مشتق من لفظ (سوفوس) ومعناه الحكيم والحاذق.
والسفسطة عند الفلاسفة هي الحكمة المموهة ، وعند المنطقيين هي القياس المركب من الوهميات ، والغرض منه تغليط الخصم واسكاته. وقيل : إن السفسطة قياس ظاهره الحق وباطنه الباطل ، ويقصد به خداع الآخرين أو خداع النفس ، فإذا كان القياس كاذبا ولم يكن مصحوبا بهذا القصد لم يكن سفسطة بل كان مجرد غلط أو انحراف عن المنطق.
وتطلق السفسطة أيضا على القياس الذي تكون مقدماته صحيحة ونتائجه كاذبة لا ينخدع بها أحد الا انك إذا أنعمت النظر فيه وجدته مطابقا لقواعد المنطق. ووجدت نفسك عاجزا عن دحضه كسفسطة السهم وسفسطة كومة القمح فإن الغرض منهما إثارة المشكلات المنطقية. (راجع كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي)
(٣) هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني ، أبو المعالي ركن الدين الملقب بإمام الحرمين. (راجع وفيات الاعيان ١ : ٧؟؟؟ والسبكى ٣ : ٢٤٩ ومفتاح السعادة ١ : ٤٤٠)
(٤) في (ب) العدد بدلا من (الخلو)