فجوابه أن هذا من الوهميات الصرفة (١) التي لا يصدقها العقل ، إذ ليس وراء العالم خلاء (٢) أو ملاء يمتد فيه الخط ، أو ينتهي إليه طرفه ، وما ذكر الإمام من أن صريح العقل شاهد لمسامتة طرف هذا الخط لشيء ووقوعه خارج العالم وإن إنكاره مكابرة في الضروريات مكابرة.
[قال (الثاني)
إنا نفرض من نقطة خطين يزداد البعد بينهما على نسبة زيادة امتدادهما بحيث توجد كل زيادة مع المزيد عليه في بعد ، فلو امتدا إلى غير النهاية يلزم لضرورة المحافظة على النسبة لوجود بعد مشتمل على الزيادات الغير المتناهية زائد على البعد الأول بقدرها مع انحصاره بين الحاجزين ، والأوضح أن يفرض كون البعد دائما بقدر الخطين بأن تجعل الزاوية ثلثي قائمة ، والمثلث متساوي الأضلاع فيلزم بالضرورة من عدم تناهيهما وجود بعد بينهما غير متناه.
فإن قيل : هذا يتوقف على أن يكون للامتداد طرف فيتحقق بعد هو آخر الأبعاد وهو مصادرة.
قلنا : لا بل يستلزمه وهو خلف].
هذا هو البرهان (٣) السلمي وحاصله أنه لو كانت الأبعاد غير متناهية لزم إمكان عدم
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (الصرفة)
(٢) الخلاء عند الفلاسفة : خلو المكان من كل مادة جسمانية تشغله فإذا قلت مع (ديكارت) مثلا ان المادة امتداد لزمك القول أن الخلاء المطلق متناقض ومحال.
ويطلق الخلاء عند بعضهم على الامتداد الموهوم المفروض في الجسم او في نفسه ، الصالح لأن يشغله الجسم ، ويسمى أيضا بالمكان ويرى بعض الحكماء أن الخلاء هو البعد المجرد القائم بنفسه سواء كان مشغولا بجسم أو لم يكن ، ويسمى عندهم بعدا مفطورا ، أو فراغا مفطورا وما يسميه أفلاطون بعدا مفطورا يسميه المتكلمون فضاء موهوما ، وهو الفضاء الذي يثبته الوهم ، كالفضاء المشغول بالماء أو الهواء داخل الاناء فهذا الفضاء الفارغ هو الذي من شأنه أن يحصل فيه الجسم وأن يكون ظرفا له ، وبهذا الاعتبار يكون حيزا للجسم ، وباعتبار فراغه عن شغل الجسم إياه يكون خلاء فالخلاء عند المتكلمين هو هذا الفراغ الذي لا يشغله جسم من الأجسام ، وهو غير موجود في الخارج بالفعل بل هو أمر موهوم.
(٣) نعتقد أن تعريف الامام سعد الدين التفتازاني كاف في إيضاحه ولا داعي لايضاحه بتعاريف أخر.