آلهم لمّا تفضلت عليّ بقبول توبتي وغفران خطيئتي وإعادتي من كرامتك إلى مرتبتي ، فقال اللهعزوجل: قد قبلت توبتك وأقبلت برضائي عليك ، وصرفت آلائي ونعمائي إليك ، وأعدتك إلى مرتبتك من كرامتي ، ووفّرت نصيبك من رحماتي ، فذلك قوله عزوجل (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١) ثم قال الله عزوجل للذين أهبطهم من آدم وحواء وإبليس والحية (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) مقام ، فيها تعيشون وتحثكم لياليها وأيامها إلى السعي إلى الآخرة ، فطوبى لمن تروضها لدار البقاء (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم لأن الله تعالى يخرج زروعكم وثماركم ، وبها ينزهكم وينعمكم ، وفيها بالبلاء يمتحنكم ، يلذذكم بنعيم الدنيا تارة ليذكّركم نعيم الآخرة الخالص مما ينقص نعيم الدنيا ويبطله ويزهّد فيه ويصغره ويحقره ، ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرحمات وفي تضاعيفها النقمات المجحفة ، تدفع عن المبتلى بها مكارهها ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية ، ولا يقع في تضاعيفه راحة ولا رحمة. (٢)
السابع : الإمام أبو محمد العسكري عليهالسلام : قال علي بن الحسين : حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان الله تعالى قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره ، رأى النور ولم يتبين الأشباح فقال : يا رب ما هذه الأنوار؟ قال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح ، فقال آدم : يا رب لو بيّنتها لي ، فقال الله عزوجل : انظر يا آدم إلى ذروة العرش ، فنظر آدم عليهالسلام فوقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش ، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال : ما هذه الأشباح يا رب؟ قال الله تعالى : يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي هذا محمد وأنا المحمود الحميد في أفعالي ، شققت له اسما من اسمي ، وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي ، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض ، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عما يعرهم ويسيئهم فشققت لها اسما من اسمي ، وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل شققت اسميهما من اسمي.
هؤلاء خيار خلقي ، وكرام بريتي ، بهم آخذ وبهم أعطي ، وبهم أعاقب وبهم أثيب ، فتوسل إليّ بهم يا آدم ، وإذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسما حقا لا أخيب بهم
__________________
(١) البقرة : ٣٧.
(٢) تفسير الإمام العسكري ٢٦٦ / ح ١٠٥ ـ ١٠٦.