في الاستصحاب ليس إلّا الشّكّ في بقاء شيء كان على يقين من ثبوته ، أعمّ من أن يكون ذلك الثّبوت فعليّا ، أم يكون تعليقيّا ، والمعلّق قبل وجود المعلّق عليه وإن لم يكن موجودا فعلا ، لكنّه موجود بنحو التّعليق ، وهذا المقدار من الوجود والثّبوت كاف في جريان الاستصحاب. (١)
ولك أن تقول : إنّ الاستصحاب إنّما يدور مدار فعليّة الشّكّ واليقين ، سواء كان المتيقّن المستصحب فعليّا ، أم لا ؛ إذ مقتضى أدلّة حجّيّته وتناسب الحكم والموضوع وأنّ ما هو اليقين لا ينبغي أن ينقض بالشّكّ ، هو كون الموضوع والمدار هو نفس اليقين والشّكّ فلا بدّ من كونهما فعليّين ، وأمّا المستصحب المتيقّن ، فلا تعتبر فيه الفعليّة ، كما لا يعتبر فيه الوجود ـ أيضا ـ بل الاستصحاب يجري فيه بلا شبهة وإن كان عدميّا.
نعم ، لا بدّ من أن يكون المستصحب ممّا يترتّب على استصحابه أثر عمليّ ، فلو ورد «العصير العنبيّ إذا غلى يحرم أو ينجس» ثمّ صار العنب زبيبا ، فشكّ أنّ عصيره ـ أيضا ـ يحرم أو لا؟ ، فالصّواب في هذا الفرض جريان الاستصحاب وعدم منع التّعليق منه بلا ارتياب ؛ وذلك ، لما اشير إليه آنفا من أنّ الاستصحاب ، يشترط فيه أمران : أحدهما : فعليّة الشّكّ واليقين ؛ ثانيهما : كون المستصحب ذا أثر شرعيّ عمليّ ، وكلاهما هنا حاصلان ، أمّا فعليّتهما فواضحة ؛ وأمّا الأثر العمليّ فكذلك ، حيث إنّ التّعبّد بالقضيّة التّعليقيّة في المثال المفروض ، تترتّب عليه فعليّة حكم الحرمة والنّجاسة لدى فعليّة الغليان.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٣٢٠ إلى ٣٢٢.