فالشّكّ فيه شكّ في المقتضي ، والمفروض أنّ الشّيخ الأنصاري قدسسره لا يقول بحجّيّة الاستصحاب في فرض الشّكّ في المقتضي ، خلافا لما اخترناه سابقا ، من أنّ الاستصحاب حجّة مطلقا ولو كان الشّكّ في البقاء من ناحية الشّكّ في الاستعداد والاقتضاء ، فالشّكّ في مقدار الاستعداد والاقتضاء للبقاء ـ أيضا ـ شكّ في البقاء ، فيجري الاستصحاب بلا خفاء.
ومن هنا ظهر ، أنّه لا مجال لما عن بعض الأعاظم قدسسره من أنّ مورد الشّكّ في النّسخ ليس شكّا في البقاء حتّى يجري الاستصحاب ، بل يكون من موارد الشّكّ في ثبوت التّكليف ، فتجري البراءة (١) ؛ إذ المفروض كون القضايا حقيقيّة عامّة شاملة لا قصور فيها أصلا ، ولا شكّ من هذه النّاحية ، إنّما الشّكّ من ناحية احتمال النّسخ واحتمال عدم استعداد الحكم السّابق للبقاء فيستصحب ، ومجرّد احتمال اختصاص الحكم بحصّة دون حصّة بعد فرض كون الموضوع هو الطّبيعيّ والعنوان الشّامل لجميع الأصناف والأفراد ، لا يوجب إشكالا في الاستصحاب ، بل لا مجال لهذا الاحتمال كما هو واضح. هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل من الإشكال على استصحاب عدم النّسخ.
الوجه الثّاني : ما يكون مختصّا باستصحاب أحكام الشّرائع السّابقة ، محصّله : أنّ الشّريعة اللّاحقة ، إمّا تكون ناسخة لجميع أحكام الشّرائع السّابقة ، سواء كانت مخالفة للأحكام اللّاحقة ، أو موافقة لها ـ كإباحة شرب الماء وحرمة شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ونحوهما ، بحيث تكونان في هذه الشّريعة ، الحكمين الجديدين
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١٤٨.