المرحلة الثالثة : نقول : إنّه يوجد ثلاث نسب في ثلاثة أوعية : نسبة النار إلى الموقد في الخارج ، والنسبة الذهنية القائمة بين وجود النار ووجود الموقد في ذهن المتكلم ، والنسبة الذهنية القائمة بين وجود النار ووجود الموقد في ذهن السامع.
وحينئذ نسأل : إنّ هذه النسب والعلاقات الذهنية والخارجية ، هل هي أفراد من ماهية واحدة ، بحيث أن هناك ماهية واحدة محفوظة في ضمن الوجود الذهني والخارجي ، على ما هو متعارف في سائر الماهيات والمفاهيم الأخرى ، من قبيل ماهية النار المحفوظة تارة في الوجود الذهني ، وأخرى في الوجود الخارجي ، بحيث يعقل فرض جامع نوعي ذاتي بين هذه النسب والعلاقات الذهنية والخارجية ، أو أن العلاقة الخارجية مغايرة مع العلاقة الذهنية ، والعلاقة الذهنية في ذهن المتكلم مغايرة مع العلاقة الذهنية في ذهن السامع؟.
والتحقيق يتضح من خلال ثلاث كلمات :
الكلمة الأولى : إنّ تحصيل الجامع الحقيقي الذاتي بين الأفراد ، يكون بالتحفظ على ما به الامتياز من المقومات الذاتية للأفراد ، وبإلغاء الخصوصيات العرضية للأفراد ، فحينما نستحضر زيدا ، وعمروا وخالدا ، ونريد أن ننتزع الجامع الذاتي فيما بينها ، لا بد أن نتحفظ على المقومات الذاتية لهذه الأفراد ـ الحيوانية والناطقية ـ ونلغي الخصوصيات العرضية مثل البياض والطول ، والقصر ، ونحوها ، وبهذا نحصل على الجامع الذاتي بين الأفراد.
الكلمة الثانية : إنّ كل نسبة من هذه النسب الثلاثة لها مقوماتها الذاتية المغايرة للمقومات الذاتية التي هي للنسبة الأخرى ، لأنّ كل واحدة من هذه النسب طرفاها المقوّمان لها عبارة عن شخص هذا الوجود للنار ، وشخص هذا الوجود للموقد. ومن المعلوم أنّ شخص هذا الوجود للنار في ذهن المتكلم ،