من فرضه قبل الاستعمال ، بأن يكون هناك اعتبار ، أو تعهد نفساني قائم بنفس الواضع ، واللفظ يكون مبرزا له. إذن إيجاد الوضع بالاستعمال أمر غير معقول ، وإنما المعقول إبراز الوضع بالاستعمال ، فلا بدّ من تبديل العبارة ، فبدلا من القول بإيجاد الوضع بالاستعمال ، نقول : بإبراز الوضع بالاستعمال ، فالواضع حينما يعتبر في نفسه. أو يتعهد ، فتارة يبرزه صريحا بقوله «وضعت» ، وأخرى يبرزه بالاستعمال ، فإن أريد إيجاد حاق الوضع بالاستعمال فهو أمر غير معقول.
وعلى الإتجاه الثاني : يعقل تصوير الوضع بالاستعمال ، وذلك بأن يستعمل الواضع لفظة «الماء» في معناها ويتسبّب بنفس هذا الاستعمال إلى إنشاء العلقة الوضعية وإيجادها اعتبارا ، فكأنه يوجد استعمالان طوليان : الأول : استعمال لفظة «الماء» في المعنى الذي يراد وضع اللفظة له ، وهذا الاستعمال ليس إخبارا ولا إنشاء ، لأنها كلمة إفرادية ، والآخر : استعمال لنفس عملية الاستعمال ، ففي طول الاستعمال الأول تنشأ العلقة الوضعية ، وهذا الاستعمال الثاني يكون إنشاء لا محالة ، ويكون أمرا معقولا.
٣ ـ التقدير الثالث : هو إنّ الوضع مفهوم جامع بين الفرد الإنشائي والفرد الحقيقي ، ولعلّ هذا هو ظاهر الكفاية (١) حيث يقال بأن الوضع هو تعيين وتخصيص اللفظ ليدل على المعنى ، ومفهوم التعيين هذا يتصور له فردان :
أ ـ فرد إنشائي : وذلك بأن يقول «عيّنت» ، و «خصّصت» اللفظ الفلاني ليدل على المعنى الفلاني.
ب ـ فرد حقيقي : وذلك بنفس الاستعمال. فإنّ استعمال اللفظ في المعنى ليدل على المعنى ، هو تخصيص اللفظ واقعا للمعنى ، وهذا فرد واقعي لعملية التخصيص والتعيين ، وذاك فرد إنشائي من التخصيص.
__________________
(١) حقائق الأصول : ج ١ / ص ٤٨.