وهذا التصوير على هذا التقدير غير صحيح ، باعتبار أن استعمال اللفظ في المعنى يكون فردا واقعيا من الوضع فهذا غير صحيح ، لأن الاستعمال دائما يكون جزئيا بينما الوضع دائما يكون كليا. فدعوى أن الاستعمال فرد حقيقي من الوضع هو خلط بين تعيين الشخص وتعيين النوع ، فالاستعمال دائما تعيين شخص هذا اللفظ لهذا المعنى ، والوضع هو تعيين نوع هذا اللفظ لهذا المعنى ، فكيف يكون هذا فردا حقيقيا من ذاك؟. وبهذا اتضح حاق الكلام على التقادير الثلاثة ، إلّا أنه أشكل على هذا الاستعمال بإشكالين :
١ ـ الإشكال الأول : وحاصله (١) لزوم اجتماع اللحاظ الآلي ، واللحاظ الاستقلالي ، فيما إذا أوجد الوضع بالاستعمال ، لأن في عالم الوضع يلحظ اللفظ والمعنى باللحاظ الاستقلالي. وفي عالم الاستعمال يلحظ باللحاظ الآلي. فإذا توحّد الوضع والاستعمال في مطلب واحد يلزم من ذلك اجتماع اللحاظ الآلي الاستقلالي.
وهذا الإشكال ليس بشيء بناء على التقدير الأول. فبناء على مسلكنا في أن الوضع أمر واقعي ، وقرن بين اللفظ والمعنى ، فلا يحتاج إلى لحاظ للفظ ولا للمعنى ، وذلك لأنّ الوضع ليس حكما جعليا يحتاج إلى لحاظ للفظ ولحاظ للمعنى ، بل الوضع أمر واقعي ، قد يحصل صدفة بلا فعل واضع ، وقد يحصل بكثرة الاستعمال ، مع أن في كثرة الاستعمال لا يوجد لحاظ استقلالي ، وإنما لحاظ آلي. إذن فلا يشترط في الوضع اللحاظ الاستقلالي للفظ والمعنى ، فلا يلزم اجتماع اللحاظ الآلي ، واللحاظ الاستقلالي.
وأمّا بناء على التقدير الثاني : فإن قلنا بالاتجاه الذي ذهب إليه السيد الأستاذ من أنّ المطالب الإنشائية أمور نفسانية وأن اللفظ مبرز لها ، فمن الواضح عدم اجتماع اللحاظين ، لأن الوضع في عالم النفس والاستعمال في عالم التكلم الخارجي ، وهذا مبرز وذاك مبرز ، فاللحاظ الاستقلالي في عالم
__________________
(١) حقائق الأصول : ج ١ / هامش ص ٤٨.