ومقامنا من قبيل القسم الثاني لأنّ الظهور الأول مشتمل على خصوصيّة يحتمل لأجلها أن يكون العقلاء قد أخرجوه من تحت حجية الظهور ، وهذه الخصوصيّة هي أنّ هذا الظهور لا يوصل إلى المراد الجدي بلحاظ تمام موارده ، وإنما يوصل بلحاظ بعض دون بعض ، وذلك لأنا نعلم انّ النحوي غير مراد جدا سواء استعمل اللفظ في العموم أم لا ، مع العلم انه مراد استعمالا بمقتضى هذا الظهور الأول.
ومن هنا كان يوجد بين المقام وبين الظهورات التي يدور أمرها بين التخصيص والتخصص نحو شباهة ، فإنه في الظهور الدائر أمره بين التخصيص والتخصص لمّا كان لا يقع في طريق إثبات المراد الجدي ، كانت هذه الخصوصية موجبة لخروجه من تحت الحجية ، أمّا هنا فإنه يقع في طريق إثبات المراد الجدي غايته أنه يقع بلحاظ بعض مدلوله ، وهذه خصوصية لا وجود لها إلّا في ظهورات العمومات المخصصة ، وعليه لا يكون هذا الظهور بمجرد تشخيصه مصداقا لتلك الكبرى لاحتمال أنهم كما خصصوا دليل بناء الحجية وأخرجوا منه موارد الدوران بين التخصيص والتخصص باعتبار أن الظهور لا ينفع إلّا في الإيصال إلى المراد الجدي ، كذا في المقام لاحتمال انه لا يوصل إلى تمام أفراد المراد الجدي بلحاظ تمام مدلوله ، ومن هنا نحتمل إخراجه من تحت الحجية ، وحينئذ لا بدّ من الرجوع إلى السيرة العقلائية لإثبات حجية العام في الباقي ومعه لا حاجة لبيان صاحب الكفاية (قده).
ومن هنا كان الأولى أن يكون طريق علاج هذه الصيغة هو الرجوع إلى السيرة العقلائية لنرى أنّه عند ما يصدر عام من المولى ثم يخصص ، فهل يجب على العبد أن يتمسك بالعام في تمام الباقي ، بحيث انّه لو لم يمتثله فيه يصح عقابه من المولى ولومه ، أم أنّه لا يجب ، فيصح منه الاعتذار؟
والعقلاء في المقام ، يبنون على صحة اللوم ولا يقبلون عذر العبد في ترك إكرام البعض ، بدعوى أنّ العام بعد تخصيصه لا ينطبق على تمام الباقي.
وهذا معناه ، حجية العام في تمام الباقي.