كما في قوله : زارني الحسنان ، والمفروض أن الزائر أحد الحسنين ، فهذا الكلام ، باعتبار الزائر صدقا ، وباعتبار الآخر كذبا.
وهنا إذا قال المتكلم : «أكرم كل عالم» ، وفرضنا أنه لا يقبل التخصيص ، فنقول : انّ هذا الكلام الواحد ، بما هو كاشف عن وجوب إكرام العدول ، فهو جد ، وبما هو كاشف عن غير ذلك ، هو هزل ، فاجتمع فيه عنوانان ، بلحاظ أحدهما ، هو جد ، وبلحاظ الآخر هزل ، ولا مانع من ذلك ، ويكون معنى الجد والهزل ، انّ إرادة واحدة تتعلق بواحد منهما دون الآخر ، وبهذا نتصور الانحلالية في الجد والهزل.
لكنّ هذه الفرضية يدعيها صاحب الانحلال في مقابل الإشكال الثاني الذي لم يكن يقبل الانحلال ، فيكون هذا وفقا للشبهة وليس برهانا على دعوى الانحلال ، بل تبقى دعوى الانحلال في عهدة الوجدان.
ويبقى إذن علينا ، أن نحل الإشكال الأول الذي يشكّل نقضا ، وعليه فنقول : لو قال قائل ، بأنّنا نسلّم بأنّ الظهور الثاني انحلالي ، ففي مرحلة المدلول التصديقي يوجد ظهورات متعددة ، وكل واحد منها حجة ، فإذا فرض أن ثبت خارجا إنّ واحدا منها كان غير جدّي ، فحينئذ ، مقتضى القاعدة في الانحلال ، انّ بقية الظهورات تبقى على حالها من الحجية ، لأنّ بطلان أحد الظهورين ، ليس معناه بطلان آخر ، ولكن هنا حينئذ يتوالد ظهور آخر يعارض ويزاحم مع الظهور الباقي ، وهو من قبيل ما نسمّيه بوحدة السياق ، إذ انّ من جملة الدلالات ، وحدة السياق ، وتقريبه هو أنّه لا إشكال انّنا إذا رأينا إنسانا جديا في جميع تصرفاته ، فهنا يحصل لنا وثوق عادي بكل ما يصدر عنه ، ولكن إذا رأيناه جديا تارة وهزليا أخرى ، فحينئذ ، ظهور كلام هذا الإنسان في الجدّ يضعف ، بل لو ضيّقنا الدائرة أكثر ، كما لو فرض أنّه في جلسة واحدة كثرت منه الكلمات التقيّة ، ثم صدر منه بعد ذلك كلمة ، وشككنا في أنّها تقية أو لا؟ فهنا احتمال التقية يصبح أكثر باعتبار التقارب ، بل لو صعّدنا وضيّقنا الدائرة أكثر وقلنا : لو فرض أنّه في كلام واحد تكلّم بكلام ، وكان أكثره هزلا ، وشككنا في البعض الآخر ، فهنا باعتبار شدّة التصاق الكلام بعضه