الشيخ الأنصاري (قده) في المحاولة الثالثة ، وإن عارض المدلول الثاني ، يكون كما قاله صاحب الكفاية ، من أنّه لا موجب لرفع اليد عن المدلول الاستعمالي ، بل نرفعها عن الظهور في الجديّة.
فيقال حينئذ ، انّه لم يقصد الحكاية عن العموم ، وإن استعمل فيه.
وقد يقال : إنّ المخصص لا يعارض أيا من المدلولين ، بل نفرض أنّ كلا المدلولين للجملة الخبرية صحيحين ، وأنّ المخصّص صحيح أيضا ولا محذور في صدق كل ذلك ، غاية الأمر ، انه يلزم الكذب ، باعتبار انّ المتكلم قصد الحكاية عن قضية بنحو الموجبة الكليّة ، ولم تكن ثابتة كما حكى.
وعليه فالمنافاة بين المخصّص والعام هنا ، تقع في هذا المدلول الثالث ، ولا بأس بذلك ، باعتبار أنّه قد يتفق أن تكون المصلحة في إظهار خلاف الواقع ، بل الكذب متحقّق على كل حال ، كما هو مبنانا الفقهي ، من أنّ الكذب متقوم بكشف شيء خلاف الواقع ، ومن هنا نبني فقهيا على حرمة التورية ، وكونها كذبا أيضا إلّا في حالة نادرة لا مجال للتعرض لها الآن ، بل يمكن أن يقال : إنه لا معارضة بين هذا المخصّص المنفصل والعام ، لا بلحاظ مدلوله الاستعمالي ، ولا بلحاظ مدلوله الجدّي ، وذلك لإمكان اجتماع المخصّص مع مدلولي العام الأول والثاني.
نعم المخصص هنا ، مخالف لأمر ثالث ، وهو مطابقة ذلك الكلام مع الواقع ، المعبّر عنه باصالة الجدّ ، ولكن هذا الظهور ليس من ظهورات الكلام ومدلولاته بشيء ، وإنّما هو مرتبط بوثاقة المتكلم وكونه صادقا لا يخطئ ، وهذا هو معنى عدم التعارض بين العام الخبري والمخصص.
ولكن الصحيح هو ، أنّه يوجد تعارض. بين المخصص وبين ظهور الكلام في الحريّة والاختيار ، وذلك إنّ عدم مطابقة الكلام مع الواقع ـ أي الكذب ـ له منشئان ، إذ تارة يكون منشؤه عدم الوثاقة ، وأخرى يكون منشؤه الاضطرار ، وهذا مرتبط بالوضع الذي يعيشه المتكلم كما في حال التقية ، وحينئذ يقال :