وجواب ذلك هو : إنّ اصالة عدم القرينة ، إمّا أن يراد به أصلا شرعيا تعبديا ، «كالاستصحاب» ، وإمّا أن يراد به أصلا عقلائيا من قبيل «اصالة الحقيقة».
فإن أريد به الأول ، بأن يقال : نستصحب عدم ورود كلام من المتكلم يدل على إخراج فاعل الصغيرة.
قلنا : انّ هذا الاستصحاب لو تمّت أركانه ، فإنّه لا يمكن جريانه ، لأنه مثبت ، لأنّ اصالة عدم القرينة ، ليس له أثر شرعي ، بل له معلول تكويني ، وهو تماميّة ظهور العام ، نعم ، هذا الأثر التكويني ، يقع موضوعا لأثر شرعي ، وهو الحجيّة ، فيكون الأثر الشرعي مترتبا على المستصحب بواسطة أثر عقلي ، وهذا هو الأصل المثبت.
وإن أريد بهذا الأصل ، الأصل العقلائي ، كاصالة الحقيقة ، بأن يقال : إنّ اصالة عدم القرينة ، هي بنفسها أصل عقلائي.
فيقال : إنّ جواب هذا ، تقدّم في بحث حجية الظواهر.
وخلاصته : إن اصالة عدم القرينة ، وإن كان أصلا عقلائيا ، ولكنه إنّما يكون كذلك في مورد توجد فيه نكتة كشف نوعي لتعيّن عدم القرينة ، ويكون ذلك في حالتين.
١ ـ الحالة الأولى : ان يتكلم المتكلم بعام ، ويقول : «أكرم كلّ فقير» ، ثم نشك في انّه هل أتى بمخصص فقال : «لا تكرم فسّاق الفقراء» أو لا؟.
فهنا نشك في وجود المخصص المتصل ، وهذا الشك ناشى عن غفلة السامع ، وفي مثله ، الأصل عدم هذا المخصص.
ونكتة ذلك ، هي أنّ هذا الشك مسبّب عن احتمال الغفلة ، والغفلة على خلاف ظاهر طبع العاقل المخاطب ، فتجري اصالة عدم الغفلة.
٢ ـ الحالة الثانية : هي أن يصدر عام وليس له مخصّص متصل ، فينعقد له ظهور في العموم ، ثم نحتمل صدور مخصص منفصل من المولى ، ولكن لم يصل إلينا.