بالعام ، إلّا بأن يقال : بأنّ مفاد «أكرم كلّ فقير» ، بالنسبة إلى «زيد» هو فعليّة المجعول لا الجعل ، إذ لو كان مفاده هو الجعل ، لقلنا حينئذ ، أيّ جعل هو؟ هل هو جعل وجوب مطلق ، أو انّه جعل وجوب مشروط؟ والأول يكذبه المخصص ، والثاني لا يفيد ، إذ هو اختيار لوجوب منفي أو اتجاه نحوه.
وهذا المجعول هو ، أحد الأحكام التي جعلت على وجه كلّي ، غاية الأمر ، إنّ المولى شخّص انّ الموضوع هنا متحقق فيثبت الحكم.
وحينئذ ، لو قطعنا النظر عن خبرة المولى وعدمها ، نقول : بناء على هذا ، لا يعقل أن يكون العام ـ «أكرم كلّ فقير» ـ بالنسبة إلى «زيد» ، إنشاء ، بل لا بدّ أن يكون إخبارا ، لأنّ مفاده بالنسبة إلى زيد حينئذ ، ـ بناء على هذه الدعوى ـ هو فعليّة مجعول جعل ليس مجعولا ولا مدلولا له ، إذ الإنشاء مرجعه إلى الكشف عن نفس الجعل ، وهذا ليس كذلك ، بل هو كشف عن المجعول وإخبار عنه.
وحينئذ ، فإمّا أن يفرض أنّ تمام العام حوّل إلى إخبار ، وهذا خلاف الظاهر من جملة «أكرم كلّ فقير» ، لأن ظاهرها أنّها إنشاء. في غير زيد ، وإمّا ان نقتصر على خبريتها بلحاظ هذا الفرد ـ زيد ـ فقط ، وتبقى إنشاء في غيره ، وهذا باطل بالضرورة ، لأنّه جمع بين الإنشاء والإخبار في جملة واحدة ، وهو خلاف بناء العقلاء ، إذن فلا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وأمّا ورود هذا الإشكال على الطريق الثاني ، الذي كان يدّعى فيه ، إنّ شمول حكم العام ـ «أكرم كلّ فقير» ـ لزيد ، يكون مفاده حكما ظاهريا ، وقد عرفت بأن هذا يلزم منه محذور تحويل الجملة من الإنشاء إلى الإخبار ، لأنه يكون عندنا بلحاظ زيد حكم ظاهري ، وبلحاظ بقيّة الأفراد حكم واقعي مجعول بنحو واقعي ، والحكم الظاهري مع الحكم الواقعي متباينان موضوعا ، لأنّ موضوع الحكم الواقعي هو ذات الفقير العادل ، بينما موضوع الحكم الظاهري هو المشكوك بما هو مشكوك ، ومع التباين بين موضوعهما لا يعقل اجتماعهما في جعل واحد وبإنشاء واحد ، لأنّ موضوع هذا الجعل