وضوح انّ حجية الإمارة ـ التي هي ظهور العام في العموم ـ ليس من باب التعبد ، بل من باب الكشف والطريقية ، والعقلاء في الطرق المعمولة عندهم لا يدخلون غايات نفسية ، بل يبنون عليها من باب الطريقية ، وحينئذ يقال : إنه بناء على أنّ تمام نكتة جعل الحجية هي الكاشفية والطريقية ، حينئذ ، تكون كاشفية هذا الدليل عن الموجبة الكلية وعن عكس النقيض بنفس القوة بعد فرض التلازم بينهما ، فكيف إذن يفكك بينهما؟.
وكأن المحقق العراقي (قده) (١) عند ما انتهى إلى هنا ، شعر بأنه لا بدّ من تفسير لذلك وإبراز نكتة لهذا التفريق بين المقامين في جعل الحجية ، كي لا يكون تعبدا بحتا فصار في مقام تخريجه.
وحاصل هذا التخريج كما أفاده هو : إنّ العام الصادر من المولى ، متى ما وقع شك فيه بنحو الشبهة الحكمية ، صحّ الرجوع إلى العام لرفعه ، لأنّ الشبهة الحكمية ، يرجع فيها إلى المولى ، ومتى ما وقع الشك بنحو الشبهة الموضوعية ، فلا ينبغي الرجوع إلى الكلام الصادر من المولى بما هو مولى لرفع ذلك الشك ، لأنّه لا يناسبه بما هو مولى أن يعالج الشبهة الموضوعية ، بل هو أجنبي عنها ، وليس من شأنه ذلك ، وإن فرض الرجوع إليه في ذلك فبما انه شاهد على ذلك.
وهذه النكتة يستفاد منها فائدتين.
أ ـ الفائدة الأولى : صحة التمسك بالعام في الشبهة المفهوميّة في المخصص المنفصل إذا كان مرددا بين الأقل والأكثر ، لأنّ الشبهة المفهومية شبهة حكمية ، وأمّا إذا كان المخصّص المنفصل دائرا بين الأقل والأكثر بنحو الشبهة المصداقية ، فإنه لا يصح التمسك بالعام ، لأنّ الرجوع إلى العام فيها لإثبات انّ زيدا عالم ، معناه : إنّا نثبت بكلام المولى موضوعا خارجيا ونرفع شكا ناشئا عن الشبهة الموضوعية ، وهذا لا يصح ، لأنه ليس من شأن المولى بما هو مولى.
__________________
(١) مقالات الأصول ـ ج ١ ـ العراقي ـ ص ١٥٢ ـ ١٥٣ ـ ١٥٤.