عدم حجية العام قبل الفحص ، فكأننا نريد أن نقيم دليلا على عدم حجية العام قبل الفحص ، وكأنّ المستدل بأخبار وجوب التعلم يريد أن يقول : إنه لو لا أخبار التعلم لكان العام حجة قبل الفحص ، ولكنه يجعل أخبار وجوب التعلم مخصصة لدليل حجية العام.
وهذا غير معقول ، لأن أدلة وجوب التعلم لا يمكن التمسك بها للإلزام بالفحص عن المخصص إلّا في طول ثبوت عدم حجية العام قبل الفحص ، إذ لا يمكن أن نثبت عدم حجيته بنفس هذا الدليل.
ولتوضيح هذه الدعوى ، نذكر ثلاثة ألسنة من الأخبار.
١ ـ اللسان الأول : وهو أخبار دلّت على وجوب (١) التفقّه في الدين ، فلو فرض انّ العام ـ بقطع النظر عن هذه الأخبار ـ ليس بحجة ، إذن لا حاجة حينئذ لهذه الأخبار.
وإذا فرض انّ العام حجة بقطع النظر عن هذه الأخبار ، ونريد بهذه الأخبار أن نخصص حجيّته ، فهذا أيضا غير معقول ، لأنه لو فرض قيام الدليل على حجية العام في نفسه ، فإنه حينئذ يكون الرجوع إلى العام تفقه في الدين ، ونكون قد امتثلنا الأمر بالتفقّه الوارد في تلك الأخبار ، أي نكون عالمين بالحكم الشرعي ، ومعه لا داعي لوجوب الفحص.
والحاصل : انّ كون هذا اللسان يقتضي وجوب الفحص ، هو فرع عدم حجية العام ، ومع عدم حجيته لا حاجة لهذه الأخبار ، ومع فرض قيام الدليل على حجية العام ، إذن فالتفقّه حاصل بالرجوع إلى العام دون الحاجة لتلك الأخبار ، إذن فالاستدلال بهذه الأخبار غير تام.
٢ ـ اللسان الثاني : هو اللسان الوارد بعنوان : ذمّ من ترك السؤال (٢) والتفقّه.
__________________
(١) الكافي ـ الكليني ـ ج ١ ـ ص ٣١.
(٢) الكافي ـ الكليني ـ ج ١ ـ ص ٤٠.