أمّا النزاع الأول : فيتمثل في إمكان مخاطبة المعدومين والغائبين ، بمعنى انّ مخاطبة المعدوم أو الغائب ، هل هي معقولة أم لا؟ وهذا بحث عقلي.
وأمّا النزاع الثاني : فهو لفظي ، بمعنى انّ أدوات الخطاب ، هل هي موضوعة لخصوص المخاطبين الموجودين زمن صدورها ، أم للأعم منهم ومن المعدومين؟.
وقد اعترض السيد الخوئي (قده) (١) على هذا التحرير لمحل النزاع وقال : إنّ النزاع ينحصر في الثاني فقط ، لأنّ الأول لا يحتمل وقوعه عادة بين العلماء لوضوح المسألة ، فإنّ التخاطب إن أريد به التخاطب الجدّي ، فمن البديهي عدم معقوليته مع المعدوم والغائب ، وإن أريد به التخاطب الإنشائي فهو معقول وممكن ، بل هو واقع ، كخطاب «الليل والطير» ونحوه كثير كما في كتب الأدب ، إذن فالنزاع الأول غير صحيح ، وإنّما الصحيح هو النزاع اللفظي ، وهو انّ أدوات الخطاب ، هل هي موضوعة للخطاب الحقيقي لتختص بالحاضرين ، أم انّها موضوعة للخطاب الإنشائي ، فتعم الموجودين والغائبين؟
والصحيح هو ما أفاده السيد الخوئي (قده) سلبا ، حيث ذهب إلى انّ التخاطب الحقيقي مع المعدومين والغائبين لا معنى للنزاع في استحالته ، وذلك لوضوح استحالته.
وأمّا التخاطب الإنشائي ، فلم يدّع أحد نفيه ، وذلك لوضوح إمكانه.
لكن رغم هذا ، يبقى النزاع في انّ أدوات الخطاب ، هل هي موضوعة للخطاب الحقيقي ، أم انّها موضوعة للخطاب الإنشائي؟
وكأنّ القائلين بأنّ الخطابات تختص بالمشافهين ، مرجع قولهم إلى
__________________
(١) محاضرات فياض ـ ج ٥ ـ ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.