ومن هنا يعرف ، إنّ ما يوجب اختصاص الخطاب بخصوص الحاضرين ، إنّما هو الظهور السياقي الدال على المدلول التصديقي ، وإلّا لو بقينا نحن والمدلول التصوري فلا موجب للقول بالاختصاص بالحاضرين ، إذ مجرد كون أدوات الخطاب موضوعة للمدلول التصوري بحيث تصلح لشمول الغائبين والمعدومين كما فعل السيد الخوئي (قده) لا يكفي لحل المشكلة وإثبات شمول الخطاب لهم ، لأنّ هذا المدلول التصوري تحديد للمدلول الوضعي للكلام ، وهو لا يفيد في التعميم ، وإنّما المهم والمفيد إنّما هو شمول المدلول التصديقي للكلام ، وهو قصد التفهيم والمخاطبة للغائبين والمعدومين ، لأنه مرحلة الكشف عن الحكم فعلا حيث لا إشكال في انه في مرحلة المدلول التصديقي للكلام يكون الخطاب ظاهرا في الخطاب الجدّي حينئذ ، كما هو الحال في سائر الجمل الأخرى.
إذن فالصحيح انّ أدوات الخطاب وإن كانت موضوعة للخطاب الإنشائي بالمعنى الذي اخترناه ، أي لنسبة خاصة تصورية ومدلول تصوري ، إلّا انّ مدلولها التصديقي هو الخطاب الحقيقي ، وعليه فيختص حينئذ بخصوص الحاضرين والموجودين ما لم تقم قرينة عامة أو خاصة على التوسعة في قسم من الأدلة.
وقد ذهب الميرزا (قده) (١) إلى وجود قرينة عامة على التعميم في قسم الأدلة ، حيث فصّل في المقام بين كون الخطاب المجعول على نهج القضية الخارجية ، وبين ما إذا كان مجعولا على نهج القضية الحقيقية ، فذكر انّ الحكم المجعول في الكلام إذا كان مجعولا على نهج القضية الخارجية ، اختص بخصوص الحاضرين الموجودين ، وإذا كان مجعولا على نهج القضية الحقيقية ، فلا بأس بدعوى عموم الخطاب للمعدومين ، وذلك لأنّ توجيه الخطاب إليهم يتوقف على عناية ، وهي تنزيل المعدومين منزلة الموجودين ، وهذه العناية تحتاج إلى قرينة ، وهذه القرينة موجودة في القضية الحقيقية دون
__________________
(١) فوائد الأصول ـ الكاظمي ـ ج ١ ـ ص ٣٤٨.