وأمّا إذا فرض أنّه قال : رأيت «أسدا» ، وعلمنا انّه قصد «الرجل الشجاع» ، لكن لا ندري انّه قصده بما هو حقيقة ، أم بما هو مجاز ـ وهذا هو مورد استدلال المرتضى (قده) ـ حيث انّ الظهور الحالي هنا لا يحقق صغرى لدليل حجية الخبر ، وإنّما يكشف كشفا ظنيا مباشرا عن قضية ظنية في نفسها ، وهو ، انّ هذا اللفظ موضوع للشجاع ، لا أنه يحقق إخبارا عن انّه موضوع له ، ولهذا لو كانت لفظة «أسد» غير موضوعة للشجاع لما كان كاذبا أو مخطئا لأنه لم يخبر بذلك ، فهذا ضابط يفسر بطلان كلام السيد المرتضى (قده).
٢ ـ التقريب الثاني : هو أنّا نقول : بأنّ الظهور الذي يكون حجة ، هو ما كان متضمنا لاصالة التطابق بين ظهور الكلام ، وظهور الحال ، وهذا إنّما يتم في مورد يكون للكلام فيه ظهور تصوري ، ليقال : بأنّ الأصل مطابقته لمدلول الكلام التصديقي ، فبمقتضى هذا الأصل ، نثبت انّ المتكلم أراد المعنى الحقيقي وانّه جاد في إرادته له ، إذن فما هو الحجة ، إنّما هو اصالة التطابق.
ومن الواضح انّه إذا خرّجنا المرتكز العقلائي على هذا الأساس ، يكون من الواضح عدم وجود ظهور كلامي في الموارد التي استدل فيها السيد المرتضى باصالة الحقيقة ، إذ لا معنى حينئذ لحجية اصالة الحقيقة في هذه الموارد ، لأنه لا يوجد ظهور تصوري تجري فيه اصالة التطابق ، ليثبت به انّ اللفظ موضوع للمعنى الحقيقي ، لأنّ قوله : رأيت «أسدا» ، لم نحرز له ظهورا تصوريا في الشجاع ، لأنّنا شاكون في ذلك ، إذن فلا معنى حينئذ لإجراء اصالة التطابق بينه وبين المدلول التصديقي.
وعليه : فالظهور الذي هو حجة ، لا وجود له في كلام السيد المرتضى (قده) ، على كلا التقريبين في تفسير المرتكزات العقلائية ، وبناء عليه : فإنّ اصالة عدم الاستخدام جارية في نفسها ، ولا مانع منها.
وخلاصة المطلب من أوله إلى هنا هو ، انّه إذا ورد عام ، وعلّق عليه حكم ، ثم تعقب العام ضمير علّق عليه حكم آخر ، كما في الآية المباركة : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) إلى قوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) الخ.