وتوضيحه : إن الأحكام بحسب نظام اللغة ، تارة ، تتصل بموضوعاتها مباشرة ، كما في قوله «أكرم العالم» ، فإنّ الفعل هنا متصل بمفعوله مباشرة وابتداء وبلا حاجة إلى موصل.
وتارة أخرى يحتاج لاتصاله بموضوعه إلى موصل في مرحلة المدلول التصوري ، ـ وذلك لمحذور نحوي ذكره علماء العربية ـ كما في قولنا : «زيد أكل» ، فإنّ الفعل هنا لا يتصل بالفاعل ، «زيد» مباشرة ، لتقدم «زيد» ، إذن فلا بدّ له من موصل يوصله به ، وهذا الموصل هو الضمير في المقام ، فالضمير عبارة عن مفهوم مجمل مستقل يأتي لمجرد الإشارة إلى تلك الصورة الثابتة للمرجع ، إذن فهذا المفهوم متطابق مع المرجع لا أنّه يعطي صورة ثانية «لزيد» ، إذن ليس هو في قوة تكرار اللفظ مرة ثانية ، بحيث يحدث صورة مستقلة في الذهن ، بحيث يصبح «للعالم» صورتان ، وإنّما الضمير مشير إلى الصورة الأولى ، ومن هنا جاءت المعرّفيّة للضمير ، مع انّ مرجعه قد يكون نكرة ، فلو كان الضمير تكرارا لمرجعه ، لكان هذا الضمير نكرة أيضا عند ما يكون مرجعه نكرة ، وإنّما كونه معرفة ، باعتبار انّه إشارة ، وليس في قوة التكرار.
وحينئذ : بناء على أنّ الضمير ليس في قوة التكرار ، بل هو مشير فقط ، تتضح حقيقة الحال ، وتندفع الشبهة ، لأنّه عند ما نقول : «أكرم العالم وقلّده» ، لم تعط كلمة «عالم» تصورين ومعنيين ، بل هناك صورة واحدة ومعنى واحد في عالم المدلول التصوري ، وهذه الصورة أشير إليها بالضمير.
وبناء على هذا ، فمقدمات الحكمة ليس لها إلّا مصب واحد هو ، هذه الصورة الواحدة التي هي في الذهن إمّا مطلقة ، وإمّا مقيّدة ، ويستحيل أن تكون مطلقة بلحاظ الحكم الأول ، ومقيّدة بلحاظ الحكم الثاني ، أي مطلقة ومقيدة بلحاظين معا ، بل إذا فرض كونها مقيّدة بلحاظ الحكم الثاني ، فيلزم كونها كذلك بلحاظ الحكم الأول ، ولو بإعمال عناية أخرى ، من قبيل تحويل الضمير من كونه مجرد إشارة إلى كونه مفيدا لصورة مستقلة ، وهذه هي عناية الاستخدام بالضمير ، فيكون بلحاظ أحدهما مطلقا ، وبلحاظ الآخر مقيدا بواسطة الاستخدام.