وجواب هذا التقريب ـ مضافا إلى الإشكال في اصل كبرى التعهد في الوضع كما تقدم مفصلا في باب الوضع ـ هو نفس ما تقدّم في ردّ التقريب الأول ، حيث أنّا نلاحظ أنّ الدلالة على الإطلاق مرتبطة إثباتا ونفيا بذلك الظهور السياقي التصديقي ، حيث أنّه كلّما أجمل هذا الظهور ، نجد أنّه لا دلالة في الكلام على الإطلاق.
وهذا دليل على أنّ الإطلاق من شئون الدلالة الالتزامية لذلك الظهور وليس ناشئا من ملاك مستقل سواء كان هذا بالوضع أو بالتعهد ، لأنّه لو كان ملاكا مستقلا لما ارتبط بذلك الظهور وجودا وعدما.
وبهذا يتّضح ، أنّ الصحيح في تقريب إثبات الإطلاق بمقدمات الحكمة هو ، المسلك الأول ، المعتمد على ذلك الظهور السياقي التصديقي الحالي في الكلام ، فإنّ كون المتكلم أنّه في مقام بيان مرامه بكلامه يستلزم عقلا وعرفا أن لا يزيد كلامه على مرامه ولا مرامه على مدلول كلامه ، ومن هنا قلنا : إنّ الإطلاق داخل في مرحلة المدلول التصديقي للكلام.
وبعد أن اتّضح ارتباط استفادة الإطلاق بهذا الظهور الحالي السياقي ، يوجد هنا خلافان في هذا ، وكلّ منهما مرجعه في الحقيقة إلى الاختلاف في تحديد وكشف ذلك الظهور الحالي السياقي الذي هو المنشأ لهذه الدلالة.
١ ـ الخلاف الأول : هو انه بعد اتفاقهم على أنّ المقيد المتصل يوجب هدم اصل الظهور حيث لا يبقى معه ظهور للكلام في الإطلاق ، حينئذ اختلفوا في أنّ المقيد المنفصل ، هل يوجب هدم أصل الظهور ، فيكون كالمتصل ، أم أنّه يوجب هدم حجية الظهور فقط؟
ذهب صاحب الكفاية (١) (قده) إلى الثاني ، أي أنّ المقيد المنفصل يهدم حجية الظهور فقط ويبقى اصل الظهور على حاله.
__________________
(١) كفاية الأصول ـ الخراساني ـ ج ١ ـ ص ٣٨٥ ـ ٣٨٧.