وفي الحقيقة ، فإنّ التكثر والشمول إنّما يكون في العالم الثاني ، لأنّه بعد أن نفرغ من ربط أمر كلّي بأمر كلّي ، حينئذ ، نأتي إلى العالم الثاني ونقول : إنّ هذا الأمر الكلّي أصبح محقّق الوجود وضمن فعليّات عديدة ، وبمقتضى التلازم بين العاملين ، يكون المحمول فعليا لا محالة في تمام هذه الموارد ، فيتكثّر الحكم حينئذ ، إذن فتكثّر الحكم وتعدّده ليس أمرا مولويا ملحوظا للمولى ، بل هو أمر عقلي انحلالي واقع في القضية في المرحلة الثانية ، وعليه ، يكون مقتضى الأصل في كل إطلاق للحكم بالنسبة إلى موضوعه ، هو الشموليّة بلحاظ العالم الثاني ، ما لم يبذل المولى عناية إضافية تمنع هذه الشمولية ، كما يبذلها في قوله : «أكرم عالما» ، حيث يأتي بتنوين التنكير لإثبات قيد الوحدة ، حيث أخذه في الموضوع ، وحينئذ ، لا يمكن تكثّره في عالم الفعليّة ، لأنّه لوحظ شيئا واحدا.
إذن ، فالشموليّة ليست مربوطة بمقدمات الحكمة ولا بقرينة إضافية إليها ، بل هي من شئون عالم فعليّة الحكم.
ومن هذا البيان ، يتّضح حقيقة الكلام الثاني ، وهو انّ الأصل في الحكم بالنسبة إلى متعلقه انّ الإطلاق فيه بدلي ما لم تقم قرينة على الخلاف ، وذلك لأنّ الحكم بالنسبة إلى متعلقه لا يشكّل قضية حقيقية شرطية ، فإنّ «إكرام العالم» ، في قولنا : «أكرم العالم» ، بالنسبة إلى العالم تكون قضية حقيقية ، يعني إذا وجد عالم فأكرمه ، لكن بالنسبة إلى نفس «الإكرام» ليست قضية حقيقية ، فإنّ المتعلّق لا يؤخذ مقدّر الوجود كالموضوع كما عرفت ، وإلّا يصبح معناه : إنّه إذا وجد إكرامه ، فافعله ، وهو كما ترى أشبه بتحصيل الحاصل ، أو الدور. ونتيجة هذا انّ الحكم بالنسبة إلى متعلّقه لا يكون له عالم ثاني وراء عالم نفس الجعل ، وعليه ، فليس له تعدّد وكثرة ـ وهذا بخلاف نسبته إلى الموضوع ـ وذلك ، لأنّه بحسب عالم الجعل ، لا نظر للمولى إلى الأفراد ، بل له نظر واحد إلى الطبيعة في الموضوع والكلّي في الحكم ، وأمّا بحسب عالم المجعول فليس له عالم ثاني كي تحصل الكثرة والتعدّد ، ومن هنا يكون الأصل فيه وحدة الحكم ، بمعنى انّ الدليل ليس له