العموم ، فإنّ نفس الكلام يجري هنا فيه ، فإنّ العموم هنا لو كان بمقدمات الحكمة ، لكان قولنا : «أكرم علماء البلد» ، من قبيل قولنا : «أكرم عالم البلد» ، والمنظور إليه حينئذ طبيعة الجمع ، والمقدمات تنفي القيد ويسري الحكم حينئذ إلى تمام الأفراد عن طريق الانحلال ، بينما الوجدان قاض بأنّه في قولنا : «أكرم علماء البلد» ، يستحضر القائل الأفراد ، ثم يحكم.
إذن لا مورد لمقدمات الحكمة.
وأمّا الإجابة عنه حلا : فإنّه بناء على ما حقّقناه سابقا من دلالة «اللام» على التعيين ، يكون تفسير هذه الظاهرة واضحا ، وذلك لأنّ دلالة «اللام» على التعيين تقتضي الاستغراق ، أي كثرة ذات محدّد نوعي ، لا كمّي ـ وإن كانت لا تثبت ماهيّة ذلك المحدّد النوعي ـ وذلك لأنّ هذه الكثرة لها تعيّن صدقي ، وكلّ كثرة من هذا القبيل ، لها ذلك التعيّن ، ولذا لا يختلف حال أيّ محدّد نوعي عن محدّد نوعي آخر ، وتبقى «اللام» حياديّة من ناحية تعيّن شخصيّة ذلك المحدّد النوعي ، وحينئذ لو فرض أنّه وجدت قرينة نسمّيها مقدمات الحكمة ، ودلّت على أنّ ذلك المحدّد النوعي ، هو أوسع المحدّدات ، فنضم دلالة «اللام» على الاستغراق إلى القرينة المعيّنة والمشخّصة للمحدّد النوعي ، فيتكوّن لدينا رؤية لجميع الأفراد بنحو الإجمال.
ومن هنا ، لا يقاس «أكرم عالم» ، على «أكرم العلماء» ، فإنّ الأول تعلّق الحكم فيه بالطبيعة ولا نظر له في مرحلة الكلام إلى الأفراد ، ولذا لا دال عليها.
بينما الثاني ، الحكم فيه تعلّق بتمام الأفراد لوجود دليل وضعي يدل على الاستغراق ، لكنه مهمل من ناحية حدّه النوعي ، ودليل آخر عرفي ، بشخص ذلك المحدّد النوعي ، وحينئذ فسوف تتكوّن لدينا نظرة إجمالية إلى تمام الأفراد في مرحلة الكلام.
وهذا سر الوجدان الذي نشعر به بالفرق ، ولا حاجة معه لفرض أنّ «اللام» موضوعة مباشرة للعموم.