المنهي عنها موجود بين المعرفة المأمور بها والمعرفة المنهي عنها مع انه لم يقل أحد بدلالة المعرفة الواقعة في سياق النهي على العموم ، مع دلالته على الاستغراقية ، إذن الاستغراقية المدعاة هي من شئون المورد لا من شئون النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي ، وقد تقدم في مبحث الأوامر تفصيل هذه القرينة العقلية ، وما تقتضيه من الفرق بين وقوع الطبيعة في سياق الأمر ووقوعها في سياق النهي.
٢ ـ التعليق الثاني : هو أنّ هذه الاستغراقية المستفادة من القرينة العقليّة استدل عليها ، بأنّ النهي عن الشيء طلب لاعدامه ، وإعدام الطبيعة لا يكون إلّا بانعدام جميع أفرادها.
وهذا الدليل يدل على الاستغراقية ، سواء تعلّق النهي بنكرة أو معرفة ، لأنّ هذه الاستغراقيّة ، استغراقيّة بحسب عالم الامتثال ، أي أنّ الحكم الثابت واحد ، لكن امتثاله لا يكون إلّا بإعدام الطبيعة الذي لا يتحقق إلّا بإعدام جميع أفرادها ، وليست هي استغراقيّة بحسب عالم الحكم ، حيث لا يمكن إثبات استغراقه وانحلاله إلى أحكام عديدة بعدد أفراد الطبيعة بحيث يكون لكل واحد منها عصيانه وإطاعته.
إذن ، لا يمكن إثبات استغراقية الحكم الذي هو العموم ، وانحلاله إلى أحكام متعددة بعدد الأفراد ، بمثل هذه القرينة العقليّة ، وإنّما نحتاج معه إلى قرينة أخرى تثبته ، بل لو استفيدت الاستغراقيّة والعموم من النواهي ، فذلك يكون بقرينة أخرى تقدم ذكرها في مبحث النواهي ، وهي هنا خارجة عن محل النزاع.
٣ ـ التعليق الثالث : هو أن هذه الاستغراقية أجنبية عن محل الكلام ، لأن مناط عمومية العموم هو إراءة الأفراد بالمدلول اللفظي للكلام ، سواء كان الحكم عليها استغراقيا أم بدليا ، والاستغراقية قد تثبت بالعموم ، وقد تثبت بمقدمات الحكمة كما في قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، فإن موضوعات الأحكام دائما تجري فيها مقدمات الحكمة وتثبت فيه الاستغراقية.