(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢))
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) : أسوة النبي صلىاللهعليهوسلم أسوة المحبة ، وقدوة الشوق ، وطريق المعرفة التي يبلغ المقتدي إلى الحق بلا حجاب وإلى محبته الكبرى ، لقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ.)
قال محمد بن علي : الأسوة في الرسول الاقتداء به والاتباع بسنته وترك مخالفته في قول وفعل.
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣))
قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا) : إن الله سبحانه وصف العارفين بالرجولية في حمل أمانة الأزل ، وعرض الأكبر عاهدوا الله ألا يختاروا شيئا من العرش إلى الثرى ، وصدقوا عهدهم ، وبلغوا إلى منازل الأمن : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) ، فمن بقي في سيره ولم يصل إلى الوصال وهن في عزم وفاء العهد فهو منتظر لتمام سعيه واستيفاء حظه من الله ، ومن معرفته وخدمته ، ومراقب لكشف جمال الحبيب ، ليأخذ يده ويبلغه إلى مراده من مشاهدته ، ليس المنتظر أقل درجة ممن قضى نحبه ؛ فإنهم كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره.
قال محمد بن علي : خص الله الإنس من بين الحيوان ، ثم خص المؤمنين من الإنس ، ثم خص الرجال من المؤمنين ، فقال : (رِجالٌ صَدَقُوا) ، فحقيقة الرجولية الصدق ، ومن لم يدخل في ميادين الصدق فقد خرج من حد الرجولية.
قال بعضهم : منهم من يبذل وسعه ومجهوده في الطاعة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) التوفيق من ربه ، (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣) : ما غيروا عن محبة نبيه صلىاللهعليهوسلم تغيرا.
أو قيل : ما استعانوا بغيره في مهماتهم بعد أن ضمن الله لهم الكفاية في كل الحوائج.
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ