بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠))
قوله تعالى : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) : إن الله سبحانه أراد بذلك السؤال أن يعرّف الخلق شرف منازل الصادقين ، فربّ قلب يذوب من الحسرة حيث ما عرفهم وما عرف قدرهم.
قال الله تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) [التغابن : ٩] ، ولصدقهم استقامت أسرارهم مع الحق في مقام المحبة والإخلاص.
قال القاسم : لا سؤال أصعب من سؤال الصادق عن صدقه ؛ فإنه يطالب بصدق الصدق ، وعجز المخلوق أجمع عن الصدق ، فكيف يبحث عن صدق الصدق؟!
قال الواسطي : الباطن منه أن يسألهم عن التوسل إلى من لا وسيلة إليه إلا به ، عندها تذوب جسومهم ، وينقطع آمالهم ، وصار صدقهم كذبا ، وصفاؤهم كدرا ، واستوحشوا من مطالعته فضلا عن التزين به وذكره.
قال سهل : يقول الله تعالى لهم : عملتم وماذا أردتم؟ فيقولون : لك عملنا ، وإياك أردنا.
فيقول : صدقتم. فوعزته لقوله لهم في المشاهدة صدقتم ألذ عندهم من نعيم الجنة (١).
__________________
(١) التّغابن : فاعل من الغبن في البيع والشراء على الاستعارة ، وهو أخذ الشيء بدون قيمته.
وقيل : الغبن : الإخفاء ، ومنه غبن البيع لاستخفائه ، والتفاعل هنا من واحد لا من اثنين ، ويقال : غبنت الثوب وخبنته ، أي : أخذت ما طال منه من مقدارك : فهو نقص وإخفاء. انظر : اللباب لابن عادل (١٥ / ٣٠٨).