قال سهل : من لم ير نفسه في ملك الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولم ير ولاية الرسول صلىاللهعليهوسلم في جميع الأحوال لا يذوق حلاوة سنته بحال ؛ لأن النبي هو الأولى بالخلق من أنفسهم وأموالهم ، ألا ترى الله يقول : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين» (١).
(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧))
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) : الميثاق الغليظ الذي أخذ الله من الأنبياء ميثاق المحبة ألا يشتغل أحد منهم بغيره من العرش إلى الثرى ، ويوافق بعضهم بعضا فيما أخبر الحق بلسانهم من نفسه ، فأخذ الميثاق من الجميع بالوسائط ومن نبينا صلىاللهعليهوسلم كفاحا بلا واسطة ، بيّن فضله على الجميع ، ثم بيّن فضل شيخ الأنبياء وفضل الخليل والكليم وعيسى عليهمالسلام.
وقال بعضهم : أخذ ميثاق النبيين بالعموم على لسان السفر والوسائط ، وأخذ ميثاق الرسول مشافهة بلا واسطة ، فأظهر الأنبياء مواثيقهم لعمومها ، وأخفى النبي صلىاللهعليهوسلم ميثاقه ؛ لأنه في محل الخصوص ، فأخبر الله عنها كفاية بقوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) ، وأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم تعجبا وقال : «لو تعلمون ما أعلم» (٢) ، كذلك مواثيق خصائص الأحباب يكون سرّا لا يطّلع عليهم سواهم.
(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا
__________________
(١) ذكره ابن كثير في التفسير (٢ / ٣٠٢).
(٢) رواه البخاري (١ / ٣٥٤) ، ومسلم (٢ / ٦١٨).